تقارير وتحقيقات

أثر اقتصاد الحرب في العلاقات الاجتماعيّة والقيم التي تحكمها (2)

جاد الكريم جباعي
تمهيد
تُقدّم الحالة السوريّة نموذجاً خاصّاً لاقتصاد الحرب، يختلف عن النماذج الكلاسيكيّة، كالحروب بين الدول، أو في داخل كلٍّ منها ممّا تجري بموجبها عملية تعبئة الموارد الماديّة والطاقات البشريّة والمؤسسات الرسميّة والمنظمات الشعبيّة، وتوجيهها نحو الإنتاج الحربيِّ، وتمويل الأعمال القتاليّة واللوجستيّة وغيرها، بغية مهاجمة عدوٍّ أو صدِّ عدوانه. وتجري هذه التعبئة، في ظروفٍ محدّدةٍ وشروطٍ محددة، يعاود بعدها الاقتصاد دورته الطبيعية، بعد ترميم ما خربته الحرب، ويتابع المجتمع نشاطه الاقتصادي وفقاً للغاية التي يتوخاها من هذا النشاط، والتي تتحدد ببنية المجتمع المعنيِّ وعلاقاته الداخليّة والخارجيّة ونظامه العام.
من أبرز وجوه الاختلاف في الحالة السورية وجهان: الأول أن اقتصاد الحرب كان المبدأ الموجّه لإستراتيجية السلطة، منذ عام 1963، لمواجهة أيّ عدوانٍ إسرائيليٍّ محتمل، والتحضير لتحرير فلسطين و”القضاء على الإمبريالية والصهيونية والرجعية العربية”. والثاني أن الحرب المعنية هي حربٌ متعددة الأشكال على المجتمع، بصورةٍ أساسيّة، بغية إخضاعه والاستئثار بثرواته وقوة عمله، أو ما سمّاه خلدون حسن النقيب: “الاحتكار الفعَّال لمصادر السلطة والثروة والقوة”. ما يعني بالفعل أن “السياسة” كانت استمراراً للحرب، التي ربحتها قوةٌ عسكريّةٌ سيطرت على الدولة والمجتمع، “بوسائلَ أخرى”، لم تكن حربيّةً دائماً، وأن الحرب الجارية، منذ ربيع عام 2011 امتدادٌ لتلك السياسة، بعكس مأثور كلوزفيتز. لعل خصوصيّة الوضع السوريِّ تتجلى في انطباق مأثور كلوزفيتز وعكسه على الحرب، بصفتها امتداداً للسياسة، وعلى السياسة بصفتها حرباً. ومن ثمَّ يمكن القول إن الحرب هي الاقتصاد السياسيُّ للسلطة.
وقد استدعت تلك الإستراتيجية تضخيم جهاز السلطة المركزيِّ: الجيش والشرطة والمخابرات، على حساب الدولة، وسيطرة هذا الجهاز على المؤسسات الرسميّة و”المنظمات الشعبيّة”، وتوجيه نشاطها وفقاً لإستراتيجيّة السيطرة، بوجهيها الخشن والناعم. كما استدعت إطلاق يد الجهاز في جميع مجالات الحياة الاجتماعية وحيوات الأفراد، وإعفاء العاملين فيه من المساءلة القانونيّة عن الجرائم التي يرتكبونها في أثناء تأدية “واجباتهم”. وقد بيّنت سيرة الجهاز، منذ هزيمة حزيران (1967) وتداعياتها، أن الهدف الرئيس من تعبئة الموارد المتاحة والممكنة والطاقات البشرية المتاحة والممكنة والمؤسسات والمنظمات الشعبيّة، هو الحفاظ على السلطة وضمان استقرارها واستمرارها.
للتنزيل والقراءة، الملف المرفق: أو اضغط هنا