أبحاث

الفرصة الضائعة لسلطة المعارضة السورية – الرقة: من عباءة الأسد إلى سيف الدولة الإسلامية

خلف علي الخلف. استشارة: الأستاذ أنور البني، مدير المركز السوريّ للدراسات والأبحاث القانونيّة. أ.د يوسف سلامة، المدير العلميّ لمركز دراسات الجمهوريّة الديمقراطيّة
مقدمة موجزة عن قراءة الفشل
ظلّت الرقة في أدبيات “النظام” تُصنّف كمحافظةٍ نامية، إضافة إلى محافظات الجزيرة السورية الأخرى [دير الزور والحسكة] وكانت الفائدة العملية الوحيدة التي تجنيها المحافظة من هذا التصنيف هو بضع علامات تخفيضٍ عن المجموع المطلوب للتسجيل في بعض الكليات الجامعيّة يحصل عليها طلبتها؛ أما غير ذلك فهي “محافظة منهوبة” كما يطلق عليها أهلها.
لعقودٍ طويلةٍ ظلّت المدينة خاليةً من الحراك السياسيّ أسوة بكلّ سوريا التي صحّرها النظام وجفّف منابع النشاط السياسي فيها، لذا عندما قامت الثورة السوريّة في آذار/مارس من العام 2011 وجدت المدينة نفسها أسوة بكلّ سوريا خاليةً من الكوادر المؤهلة لقيادة النشاط السياسيّ والحراك المدنيّ السلميّ في مواجهة بطش النظام. لم تتأخر الرقة كثيراً لتلتحق بالثورة السورية فقد خرجت أول مظاهرة فيها بتاريخ 25 آذار/مارس، 2011، لكن حراكها ضد النظام لم يتواصل، وبقي محدوداً ومتقطعاً حتى وقتٍ قريب من تحريرها من سيطرة النظام [4/3/2013] الذي بدا للوهلة الأولى مفاجئاً في محافظة لم يشهد فيها الحراك السلميّ تواتراً كما في محافظات أخرى.
وجدت المحافظة نفسها في فراغ للسلطة، كان على أبنائها وعلى قوى المعارضة بذل جهودٍ جادّة مبنية على خطّةٍ إستراتيجية لملء هذا الفراغ، لكن الوقائع اللاحقة أظهرت أن الجميع فشل في هذا المسعى وعجز عن إدارة المدينة وتقديمها كنموذج للمناطق المحررة بوصفها أول محافظة تُحرَّر بشكلٍ تامٍّ من سيطرة النظام، لتقع مرة أخرى تحت سلطة ما سمّي “الدولة الإسلامية” التي جعلت من الرقة عاصمتها الأولى.
تعرض هذه المادة بشكلٍ موجز “أسباب الفشل”، وتعرض وقائعه في محاولة لأن يستخلص القارئ بنفسه الإجابة عن التساؤلات التي طرحها عموم السوريين المعارضين للنظام عن أسباب هذا الفشل، الذي جعل من الرقة فرصةً ضائعةً ومهدورة من قوى الثورة والمعارضة لتقديم نفسها لشعبها أولاً وللعالم ثانياً كقوى جادة ومؤهلة لإدارة مدينة أصبحت خارج سيطرة النظام وفقاً للأهداف التي قامت على أساسها الثورة السورية.
هل كانت أسباب هذا الفشل ذاتية تخصّ أهل المدينة، أم لها علاقة بتقاعس “قوى المعارضة” عن العمل الجادِّ في مساعدة السكان المحليّين لإدارة مدينتهم! أم أن السبب الحاسم للفشل هو الظروف الإقليميّة والدوليّة المحيطة بالثورة السورية التي لايمكن أن يكون التعامل مع الرقة خارج سياقها.
وحتى مع الأخذ بعين الاعتبار التعامل الإقليميّ والدوليّ مع الثورة السورية وقواها ومخرجاتها، الذي إن لم يؤدِّ لفشلها فهو لن يكرّسَ نجاحها، هل كانت “الدولة الإسلامية” قدراً لا مفرَّ منه لمسار تطوّر الأحداث في الرقة! إم إن تمكينها من الرقة كان نتيجةً لفوضى التعامل مع المدينة والفشل في إدارتها!
تأتي ضرورة هذه المادة من “السيناريو المتكرر”، الذي قامت عليه “الإستراتيجية المبعثرة” للعمل العسكريّ المسلّح ضدَّ النظام في سوريا وانتزاع السيطرة منه على مناطق جغرافية لا تشكل امتداداً متكاملاً متصلاً، بل مناطقياً يبقى محاصراً أو متقطعاً بحدود لا تخضع لسيطرة المعارضة سواء كان هذا التقطيع من النظام أو من “الدولة الإسلامية” لاحقاً. هذه الإستراتيجية المبعثرة في تحرير المناطق التي يعقبها الفشل في إدارتها مدنياً أو حتى تركيبها في إطار اللوحة الموحدة التي هي سوريا، لتشكل قطعاً في لوحة “بازل” تهدف لبناء سوريا؛ أو حتى لإدارجها ضمن نسقٍ عامٍّ يهدف إلى رؤيتها في إطار سوريا موحدة خارجة عن سيطرة النظام، أو حتى في استثمار هذه المناطق المحررة في رؤيةٍ متكاملةٍ للخلاص من النظام بشكل نهائي.
إن بناء هذه المادة بشكلٍ كليٍّ على محافظة الرقة يستجيب لأغراضٍ موضوعيّة كونها تشكّل وحدةً جغرافيّة متكاملة كمحافظة، ولأسبابٍ أخرى ذاتية لها علاقة بالإحاطة بتفاصيل المدينة وانتقالها من عهد “الدولة الأسدية” إلى عهد “الدولة الإسلامية”، ونرى أنها تشكّل ميداناً جيداً لقراءة تعامل الجميع مع “منطقة محررة” ذات اتصالٍ جغرافيٍّ وبنية ديموغرافية منسجمة، بدءاً من القوى المحلية والأهلية، مروراً بالائتلاف الوطنيّ السوريّ لقوى الثورة والمعارضة، وقوى المعارضة الأخرى إضافة للهيئة العامّة لأركان الجيش السوريّ الحرّ التي تعتبر الذراع العسكرية للائتلاف الذي كان يحظى بشرعيّةٍ وغطاء دوليٍّ في حينها.
ويمكن أن يشكّل البحث بناءً نظرياً يمكن الإفادة منه في مناطق أو محافظاتٍ أخرى يتكرر فيها “سيناريو الرقة”، ويوضح صورة هذا الانتقال ويضمر الإجابة عن التساؤلات المتعلقة بمسار الفشل، ويحلل الوقائع بشكلٍ مضمر أثناء عرضها بما لا يخلّ بحيادية عرض الوقائع المثبتة، التي جاءت موجزةً وتخلو من التفاصيل التي يمكن أن تستغرق كتاباً كاملاً من مئات الصفحات.
لابدّ من التأكيد على أن البناء السرديّ للوقائع التي حدثت في المدينة هو حصيلة متابعة الكاتب لهذه الوقائع، والمشاركة في بعض مفاصلها الرئيسة، وتدقيق بعض المعلومات من مصادرَ شفهيةٍ مشاركة في تلك الأحداث، والهوامش جاءت بمنزلة إسنادٍ لهذه الوقائع وليس اقتباساً منها أو الاطلاع من خلالها على هذه الوقائع، وفي هذا السياق تحديداً كانت الصعوبات تكمن في إيجاد مصادر للإسناد مطابقة للوقائع أو قريبة منها على أقل تقدير أو تحيط بالموضوع أو تشير له في بعض الأحيان، وتشكل الهوامش، التي استغرق إيجادها وقتاً يعادل أو يفوق مادة البحث الأصلية، مادةً تفصيليّةً غنيّة تحيط بكل جوانب البحث؛ ذلك أن الرقة كانت مهملة في مصادر الأخبار التي تحظى بالموثوقية أو الانتشار على أقل تقدير.
لقراءة البحث وتنزيله أدناه:
[gview file=”http://drsc-sy.org/wp-content/uploads/2015/07/KHALAF.pdf”]

خلف علي الخلف

كاتب، شاعر. عمل رئيس تحرير للجريدة الإلكترونية "جدار"، وعمل رئيسا لقسم تحليل البيانات والتطوير في إيلاف، ثم مديراً لمدونات إيلاف. صدر له ديوانٌ بعنوان "يوميات الحرب القائمة".