تحليل سياسات - تقدير موقف

في خيارات الأطراف الكرديّة من التدخل الروسي

خلط التدخّل العسكريُّ الروسيُّ في مسار الأحداث في سوريا، وربما لاحقاً العراق، أوراقَ التوازنات السابقة بحيث أصبحت تميل لصالح موسكو وحلفائها بشكلٍ أكبر من السابق. وعلى الرغم من توضح موقف دول وتيارات سياسيّة وعسكريّة إقليمية مسبقاً من هذا التدخّل وأهدافه وتداعياته، إلا أن الموقف لدى الأكراد غيرُ محسومٍ ومرشّح للانقسام وكشف المزيد من التناقضات البينيّة بين تياراتها الرئيسة.
حينما بدأت روسيا بشنِّ ضرباتها على مواقعَ لتنظيم داعش وفصائل في المعارضة السوريّة، لم يكن الأكراد إعلامياً في حسابات التحالف مع الروس، إلى أن جاء تصريح وزير الخارجيّة الروسيّ “سيرغي لافروف” في 1 تشرين الأول بأن روسيا تورّد السلاح للأكراد الذين يحاربون داعش، عبر الحكومة العراقيّة، وأن ممثلو الأكراد يشاركون في عمل المركز التنسيقيِّ (1). ويشير التصريح إلى عنصرين، الأول أن هناك تسليحاً للأكراد، والثاني مشاركتهم في المركز التنسيقيِّ الذي يضمُّ عسكريين من روسيا والعراق وإيران والنظام السوريّ.
وخلق تصريح لافروف نوعاً من البلبلة في الوسط الكرديِّ، ومردُّ ذلك أن التصريح عموميٌّ، ولا يحدّد من هم الأكراد الذين تقوم روسيا بتزويدهم بالأسلحة. فعم سؤال “هل هم الذين يحاربون داعش؟” في وسط كلّ الأحزاب الكرديّة فيه، بما فيها الإسلاميّة، تحارب داعش في كردستان العراق ضمن قوات البيشمركة، وهذه القوات مشكَّلة أساساً من حزبين (الديمقراطيِّ الكردستانيِّ بزعامة رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني، والاتحاد الوطنيِّ الكردستانيِّ بزعامة جلال طالباني). كما أن حزب العمال الكردستانيّ أيضاً يحارب تنظيم داعش في كردستان العراق بخطِّ جبهةٍ مباشرٍ في سنجار ومخمور. كذلك تُعدُّ وحدات حماية الشعب الفصيل الأكثر صيتاً في هذه الحرب ضدَّ التنظيم، كما أن الفصيل المسلّح الآخر الخاصّ بأكراد سوريا، بيشمركة روجآفا، أيضاً منخرطون في الحرب في عدّة مواقعَ في إقليم كردستان. من هم الأكراد الذين قال “لافروف” إنهم يتلقون الأسلحة وإنهم مشاركون في غرفة العمليات في بغداد؟
من غير المرجح أن يصرّح مسؤولٌ في موقع لافروف بأمرٍ ذي طبيعةٍ أمنيّةٍ دون أن يكون له أساسٌ من الصحة. لكن اللافت أيضاً أن أيَّ طرفٍ كرديٍّ لم يعلن حتى بعد أربعة أيام من هذا التصريح بأنه الطرف المعني. وهذا يجعل من كلا الاحتمالين وارداً: أن يكون تصريح لافروف غير دقيق، بمعنى أن ما تحدث عنه من تسليحٍ ومشاركةٍ كرديّةٍ هي تلك التي تمرُّ من أقنية الحكومة العراقيّة، ولا يظهر في النهج السياسيِّ الروسيِّ دعمها لأطرافٍ تسعى إلى إضعاف الدولة المركزيّة سواء في العراق أو غيرها من دول المنطقة. الثاني، أن تكون أحد الأطراف الكرديّة مشاركةً في الاجتماعات بصفةٍ غير رسميّةٍ، والصفة غير الرسميّة مبررةٌ كون الجهة المشاركة ليست باسم إقليم كردستان العراق، ولافروف لم يأتِ على ذكر الإقليم.
وهذا التفسير هو الأرجح بالاستناد إلى ردِّ لافروف على سؤالٍ لشبكة «رووداو» الكرديّة المقرّبة من حكومة الإقليم، حول إرسال الأسلحة لقوات البيشمركة: «لقد أجبنا مطلب الكورد، وحالياً نرسل لهم الأسلحة عبر الحكومة العراقيّة» (2).
بعد ساعاتٍ فقط، نفى الأمين العامُّ لوزارة البيشمركة الفريق “جبار ياور” أن يكون إقليم كردستان ممثلاً في هذا المركز، كما نفى أن يكون لديه أدنى علمٍ بتفاصيل عمل هذا التحالف الرباعيّ (3). ولم يصدر عن الأميركيين أيُّ تعليقٍ حول موضوع المشاركة الكرديّة المزعومة (غير المؤكدة)، لكن “جبار ياور” استبق أيَّ موقفٍ أميركيٍّ بالتأكيد على أن إقليم كردستان يشارك فقط في غرفة عمليات التحالف الدوليِّ والتي ترأسه الولايات المتحدة.
خلق هذا الإعلان الروسيُّ ارتباكاً كردياً عامّاً انعكس على وسائل إعلام مختلف التيارات السياسيّة، وبدا أنه لم يتمَّ التحضّر للتعامل مع هكذا تطوّر، وأنه لا توجد تعليماتٌ محددةٌ من القيادات السياسيّة التي تدير هذه الوسائل الإعلاميّة بتناول زاويةٍ محددةٍ في أيِّ مقاربةٍ تجاه الموضوع، حتى إنّ موقع “باسنيوز” المقرّب من جهاز الأمن الوطنيِّ الكردستانيِّ نشر على موقعه الإلكتروني مقالاتٍ وتقاريرَ غير متناسقةٍ في موقفها تجاه مركز التنسيق الإقليميِّ في بغداد، كما لم يتمَّ التطرّق إلى تأكيد أو نفي المشاركة الكرديّة في ذلك المركز.
مرارة تاريخيّة
الغموض ما زال سارياً، ومعه الحيرة، فللأكراد تاريخٌ سيّئٌ مع الروس، موسكو هي الدولة التي كان آخر دعمٍ كبيرٍ لها تجاه الأكراد في عام 1946 حينما تمَّ الإعلان عن جمهوريّة مهاباد الكرديّة غرب إيران حالياً. وكانت نتيجة هذا الدعم وبالاً على التجربة الكرديّة، حينما أوقفت موسكو دعمها فجأةً لتترك الجمهوريّة الكرديّة الوليدة بين أنياب نظام الشاه الذي أسقط الدولة وأعدم رئيسها القاضي محمد. العلاقات الروسيّة الكرديّة فيما بعد بقيت في إطارٍ شخصيٍّ أكثر من قضية دعم حركاتٍ ثوريّة، مثل لجوء الملا مصطفى بارزاني إلى الاتحاد السوفييتيِّ، ومكوث عبدالله أوجلان فترةً قصيرةً في روسيا الاتحاديّة نهاية 1998 وإبعاده من هناك بضغوطٍ من وزير الخارجيّة الروسيِّ في ذلك الوقت، “يفغيني بريماكوف”.
اختلال التوازن
في الوقت الحاليِّ، تحظى الأطراف الكرديّة برعايةٍ ودعمٍ أميركيٍّ وغربيٍّ، بالغطاء الجويِّ والسلاح، إلا أن تقريراً لمجموعة الأزمات الدوليّة صدر بتاريخ 12 مايو 2015 أظهر أن هناك طرفاً كردياً يتعرّض لأضرارٍ وخسائرَ فادحةٍ نتيجة هذا التسليح غير المدروس.
يقول التقرير: “ظاھرياً، وبعد تقديم المساعدات العسكريّة في البداية للحزب الديمقراطيِّ الكردستانيِّ في آب/أغسطس 2014 فإن المساعدات العسكريّة الغربية قدّمت حتى الآن لحكومة إقليم كردستان، وبموافقةٍ مسبقةٍ من بغداد. لكن عملياً، فإن تقديم الأسلحة من قبل مجموعة من المانحين يتمُّ بشكلٍ أحاديٍّ، وغالباً دون تنسيقٍ وكذلك دون شروطٍ فيما يتعلّق بتوزيعها واستخدامها على خطوط الجبهة. ونتيجة لذلك، فإنها عادت بالفائدة بشكلٍ غير متناسبٍ على الحزب الديمقراطيِّ الكردستانيِّ، القوة المهيمنة في أربيل، عاصمة الإقليم، وبالتالي دفعت الاتحاد الوطنيّ الكردستانيّ إلى المزيد من الاعتماد على المساعدات العسكريّة الإيرانيّة والتحالف مع حزب العمال الكردستانيّ” (4).
وتورد التقارير شهاداتٍ وأرقاماً حول توزّع التسليح الغربيِّ للأكراد، ويظهر تضرّر الاتحاد الوطنيّ الكردستانيّ بسبب رجحان كفّة الديمقراطيّ الكردستانيّ في الحصول على الأسلحة. إذاً، الطرف المتضرّر نسبياً من التسليح في التوزانات الداخليّة الكرديّة هو الاتحاد الوطنيُّ، فهل هو الطرف الذي قصده لافروف حينما أعلن مشاركة الأكراد الذين يحاربون داعش في مركز التنسيق؟.
إذا كان من طرفٍ كرديٍّ، فإن الأرجح أن يكون الاتحاد الوطنيّ. فإن لم يعلن عن ذلك رسمياُ، ولا حتى عبر تسريباتٍ للإعلام، إلا أنه يمكن ملاحظة شعورٍ بالتوجّس لدى حكومة إقليم كردستان، ففي أول موقفٍ يمثل حكومة الإقليم بعد الإعلان الروسيِّ، دعا مسؤول دائرة العلاقات الخارجيّة في حكومة إقليم كردستان “فلاح مصطفى” كلاً من الولايات المتحدة وروسيا لوقف المشاحنات. لم يتطرّق مصطفى إلى أيِّ مشاركةٍ كرديّةٍ في المركز الروسيّ، لكن عبّر عن قلقه من ظهور تحالفٍ جديدٍ تقوده روسيا، وأكد أنه “من المهم أن يكون هناك اتفاقٌ, فلا يمكن أن تكون هناك جبهتان, واحدةٌ مع الأسد والأخرى ضدَّ الأسد, نحن نريد أن يكون لدينا موقفٌ واحد”، وتوقع أن تتجه الأمور إلى أسوأ في غياب وحدة دوليّة (5).
تأخر الموقف الرسميّ لإقليم كردستان نسبياً، وصدر بعد ثلاثة أيام من إعلان تأسيس المركز التنسيقيّ، وجاء في بيانٍ صادرٍ عن رئاسة الإقليم، مصاغ بحذرٍ: “نشكر كلَّ طرفٍ وكلَّ دولة ساعدت قوات البيشمركة الباسلة في حربها ضدَّ تنظيم داعش، ومن هذا المنطلق نرحب بروسيا إذا قامت بمساعدة قوات البيشمركة للوقوف ضدّ تنظيم داعش” (6). لم يذكر بيان رئاسة الإقليم أيَّ ترحيبٍ بالتحالف الذي شكّلته روسيا، بل اقتصر فقط على الترحيب بأيِّ تسليحٍ روسيٍّ مستقبلاً للإقليم. ومن الواضح أن في صيغة البيان نفياً ضمنيّاً لإعلان روسيا أنها بدأت بتسليح الأكراد. ربما سلّحت طرفاً كردياً، أو بدأت ترسل الأسلحة لهم عبر بغداد، لكن ليس وارداً في الوقت الحالي أن يكون المعنيُّ إقليم كردستان، فالإقليم يكافح لتفادي مرور الأسلحة الغربيّة عبر بغداد، ويعتبر ذلك لو تحقق، نقطةً مهمّةً في السعي نحو تأسيس الاستقلال. يبقى أن الطرف الأقل حساسية تجاه بغداد، هو الاتحاد الوطنيُّ الكردستانيُّ، والأكثر انفتاحاً على الحوار مع المسؤولين في بغداد، بل إن زيارات مسؤولين عراقيين إلى كركوك تكاد تصبح من الجولات الروتينيّة، وآخرها زيارة وفدٍ رفيعٍ من وزارة الدفاع الاتحاديّة برئاسة الفريق الركن “رياض جلال توفيق” قائد القوات البريّة حيث استضافهم محافظ كركوك، “نجم الدين كريم”، المحسوب على الاتحاد الوطنيِّ الكردستانيِّ، وبحثوا في تحرير قضاء الحويجة من تنظيم داعش (7). وهناك قلقٌ يسود في أوساط الاتحاد الوطنيِّ؛ قلقٌ من محاولات الديمقراطيّ الكردستانيِّ توسيع نفوذه في كركوك، المدينة النفطيّة المحسوبة على نفوذ الاتحاد الوطنيِّ. وجاء في هامش تقرير مجموعة الأزمات الدوليّة، في حين أن قوات الاتحاد الوطنيِّ الكردستانيِّ تسيطر بشكلٍ كاملٍ على المناطق الواقعة إلى شرق وجنوب شرق المدينة، فإن قوات الحزب الديمقراطيِّ الكردستانيِّ تحاول فرض نفسها في الشمال الغربي، ولاسيّما حول منطقتي دبس وتل ورد (8).
الميل الكرديُّ العامُّ يتجه إلى تفادي الحديث عن الطرف المشارك في المركز الإقليميِّ. لأن الأمر يفتح الباب أمام تعميقٍ للخلافات، ولاسيّما أن الطرف المرجح في حال صح كلام لافروف، هو الاتحاد الوطنيُّ الكردستانيّ.
تنسيق حزبيّ
في تعليقٍ للكاتب الكرديِّ في إقليم كردستان، أنس محمود الشيخ مظهر، على تأسيس مركز تنسيق العمليات، يقول إن “إقليم كوردستان مطالبٌ بالتوازن بين هذا التحالف الجديد والتحالف الأخير الأمريكي الغربي… فليس من مصلحة الإقليم الوقوف ضدَّ أيٍّ من التحالفين طالما كلاهما يدعيان محاربة داعش … لكن هذا التوازن يجب أن يكون من خلال الجهات الرسميّة المسئولة سواء في بغداد أو أربيل لا أن تندفع الأحزاب للتنسيق مع هذه التحالفات” (9). هنا أيضاً مخاوفُ من أن يكون التنسيق حزبياً مع غرفة التنسيق في بغداد.
لم يؤكد الاتحاد الوطنيُّ ولم ينفِ حول مشاركة “أكراد يحاربون داعش” في التحالف الروسيِّ. وتشير التوازنات الحالية في إقليم كردستان، أن مشاركة الاتحاد الوطنيِّ ستعود عليه بفائدةٍ كبيرةٍ بما يمكنه من تعزيز موقعه في الإقليم أمام الديمقراطيِّ الكردستانيِّ في ملفِّ رئاسة الإقليم والتمديد لرئيس الإقليم مسعود بارزاني. لكن على المستوى الكرديِّ العامّ، سيزيد هذا الانخراط –في حال ثبت ذلك– من الانقسام داخل الإقليم، والدفع باتجاه المزيد من التنافس، ما يدفع بالتيارين الكرديين إلى السير بخطواتٍ أكبر في اتجاهين متعاكسين: الاتحاد الوطنيّ باتجاه بغداد
ولم يتطرّق عضو المجلس المركزيِّ للاتحاد الوطنيِّ الكردستانيّ، بختيار شاويس، إلى مسألة إمكانيّة المشاركة الكرديّة في المركز الذي تقوده روسيا، لكنه قيّم التدخل الروسيّ من زاوية تأثيرها على القضية الكرديّة، واستنتج أنه “لحدِّ الآن وحسب التصريحات الروسيّة، يمكن أن يخدم القضية الكرديّة في سوريا، لكن على صعيد القضية الكرديّة في العراق، فسيكون لهذا التدخّل تأثيرٌ على العلاقات بين إقليم كردستان والحكومة الاتحاديّة في بغداد وتعمّق الخلافات بينهما” (10).
ويعمل الاتحاد الوطنيُّ الكردستانيُّ على تهدئة الخلافات الحادّة بين بغداد وأربيل، ومعروفٌ عنه نزعة الوساطة تاريخياً لحلِّ الخلافات، لكن في الظرف الحالي، فإن أيَّ تصعيدٍ بين بغداد وأربيل لا يخدمه، ذلك أن رئاسة الإقليم هي التي تدير هذا الخلاف، وهي التي تحدّد خيارات الإقليم، ومن ثمّة ينعكس إيجاباً على تعزيز زعامة الرئيس بارزاني داخل إقليم كردستان وعلى أكراد المنطقة.
أكراد سوريا
تسود الريبة في المناطق التي يديرها حزب الاتحاد الديمقراطيِّ وحلفاؤه تحت اسم “الكانتونات”، وهي إداراتٌ ذاتيّةٌ معلنة لمناطقَ تحت سيطرة “وحدات حماية الشعب”، الفصيل المقرّب من حزب العمال الكردستانيِّ.
على خلاف التقارير التي اجتزأت تصريحاتٍ لرئيس حزب الاتحاد الديمقراطيّ “صالح مسلم”، فإن الحزب، أو بتعبير أوسع “التيار الآبوجي” ينظر بريبةٍ إلى هذا التدخّل من زاويةٍ، ويرحب به من ناحيةٍ أخرى. يبقى الأمر في التوازن بين الريبة والترحيب.
ترك “صالح مسلم” هامشاً لاتخاذ موقفٍ لاحقاً من الغارات الروسيّة وأيضاً غرفة التنسيق في بغداد، فيقول إن “روسيا متدخّلةٌ في سوريا منذ أمدٍ بعيدٍ وكانت دائماً إلى جانب النظام السوريِّ لأنها تراه صاحب الشرعيّة ، ونحن لم نتفاجأ بهذا التدخّل العلنيِّ بعد أن أصبح لجميع القوى أيدي في الداخل السوريّ”.
لكن مسلم أبدى عدم ارتياح حزبه لتشكيل غرفة التنسيق الأمنيّ على النحو الذي يرد في الإعلام، واعتبر أنه أمرٌ خطيرٌ جداً ربما يفتح الباب أمام استنزاف المنطقة بالكامل إلى أمد غير معلومٍ. وتحدث مسلم عن التزام الكرد بالخطِّ الثالث، إلا أنه شدّد على سعيهم إلى “الإقرار الدوليّ بالحقوق الديمقراطيّة للكرد في سوريا الديموقراطيّة اللامركزيّة، ونتجاوب مع كلِّ طرفٍ يساعدنا على تحقيق ما نسعى إليه، وكذلك نقدّر الجهود التي بذلت لإنقاذ رقبتنا من سكين الجزار” (11).
الاتحاد الديمقراطيُّ يهمّه هنا أولاً الاعتراف بالإدارات الذاتيّة، وتحديداً اعتراف روسيا، لحماية هذه التجربة من النظام السوريِّ نفسه. وتزامناً مع هذا التصريح، بثَّ موقعٌ مقرّبٌ من الاتحاد الديمقراطيِّ تصريحاتٍ لمستشار حزب الاتحاد الديمقراطيّ، سيهانوك ديبو، قال فيها إن “موسكو دعتهم لفتح مكتبٍ يمثل كانتونات الإدارة الذاتيّة في العاصمة الروسيّة”. وتحدث عن أن العلاقات مع كلٍّ من موسكو وواشنطن في أعلى المستويات، معبّراً عن الأمل في نيل الاعتراف من واشنطن وموسكو(12).
في مقابلةٍ مع قناة الحرّة في 4 تشرين الأول، بدا مسلم أكثر وضوحاً حينما قال إن “الموقف يتحدّد بناءً على الأهداف الروسيّة، فإذا كان الهدف القضاء على المتطرّفين فهذا إيجابيٌّ، لكن إذا كان التدخّل لدعم النظام السوريِّ فإن هذا يخالف رغبة الكثير من السوريين بما فيهم نحن”، وأضاف أنه إذا كانت روسيا ستدعم النظام الذي يرفض الحلَّ السياسيَّ وفق مبادرة ديميستورا فإنه لا يساهم في الحلِّ (13).
بالنسبة للقوات العسكريّة، فقد طالب “سيبان حمو” القائد العامّ لـ”وحدات حماية الشعب”، روسيا بتقديم السلاح لهم، وتنسيق تحركاتهم معاً ضدَّ تنظيم داعش. وهو أكثر تصريحٍ إيجابيٍّ من التدخّل الروسي (14).
لم تخفِ مصادر في حزب الاتحاد الديمقراطي أن لدى واشنطن تفهماً لتعاون “وحدات الحماية” مع الغارات الروسيّة، لكن لم تُعلن من قبل هؤلاء تبريرات هذا التفهم الأميركيّ الذي تحدثوا عنه رغم أن الرئيس الأميركيّ “باراك أوباما” أشار في خطاب له في 3 تشرين الأول إلى محاولة أميركا البناء على برنامج التدريب والتجهيز مع الكرد في سوريا، فيما انتقد بشدةٍ الدور الروسيَّ في سوريا (15). الرئيس الروسيُّ “فلاديمير بوتين” تحدّث في مؤتمرٍ صحفيٍّ في نيويورك على هامش اجتماعات الجمعيّة العامّة للأمم المتحدة عن أن “الجيش السوريّ والميليشيا الكرديّة هما اللذان يشاركان في قتال الدولة الإسلامية والجماعات المتطرفة الأخرى” (16). وهو إذ سمّى الطرفين، فإن الجزء الثاني من التصريح فصل بينهما، بالقول: “نفكر في طريقة زيادة مساعدة الجيش السوريّ”، من دون أن يأتي على ذكر الميليشيا الكرديّة التي يقصد بها وحدات حماية الشعب. وهنا تحديداً تأتي مخاوف الحزب الكرديّ من أن يمكّن التدخّل الروسيّ جيش النظام في الحسكة والقامشلي، ويؤدي إلى أن يصبح النظام مرّة أخرى القوة الأولى في تلك المنطقة.
استشراف
من المستبعد أن ينضمَّ إقليم كردستان بصفته الرسميّة إلى اجتماعات التحالف الرباعيّ الذي يضمُّ روسيا وإيران والعراق والنظام السوريّ، وذلك لأولوية بغداد بالنسبة لروسيا. كما أن الإقليم يأمل بقطف ثمار تعاون بغداد وموسكو وطهران ودمشق بمزيدٍ من الدعم من الدول المناوئة لهذا المحور، بما فيها دولٌ خليجيّةٌ ذات ثقلٍ في التحالف الدوليّ، مثل السعودية. ويأمل الإقليم أيضاً التخلّص من عقبة مرور السلاح المقدّم له غربياً من إشراف بغداد، وفتح علاقاتٍ مستقلّةٍ مع هذه الدول، بما يتضمن ذلك دعماً أميركياً مباشراً للإقليم في الخلافات القائمة مع بغداد، وكذلك الحصول على دعمٍ لتمديد ولاية الرئيس بارزاني أمام تصلّب الأحزاب الكردستانيّة المعارضة للتمديد.
فيما يخصُّ الاتحاد الوطنيّ الكردستانيّ، فإن التسريبات بانضمامه للتحالف الذي تقوده موسكو يحمل في طياته رغبته أن يستفيد منه للضغط على الغرب بغية إعادة توزيع الدعم العسكريِّ بحيث يكون متوازناً بين فصائل البيشمركة التي يقودها الاتحاد الوطني وتلك التي تتبع الحزب الديمقراطيّ الكردستانيّ، كما يسعى إلى تعزيز موقعه أمام مسألة التمديد لبارزاني عبر ترشيح أحد قيادييه مثل “برهم صالح”. أما الانضمام الفعليُّ للمحور الروسيِّ، فسيؤدي إلى شرخٍ جديدٍ يوسّع من دائرة اللاعبين في إقليم كردستان بعدما كانت مقتصرةً بشكلٍ رئيسٍ في السابق على كلٍّ من إيران وتركيا.
أما حزب الاتحاد الديمقراطيّ، فإنه يسلك مسعى الاستفادة من الطرفين (التحالف الدوليّ والرباعيّ) في وقتٍ واحد، بدافع من قناعته بأن كل من واشنطن وموسكو تتفقان على الدور الهامِّ للقوات الكرديّة المقاتلة. وهو بهذا يظهر أقل قلقاً مما يمكن توقعه بمقياس حساسيته العالية اتجاه المناطق التي يديرها في الشمال السوري، واتجاه أن تؤدي الضربات الروسية لتقوية النظام هناك. وهو ما يمكن تفسيره بشيوع الاعتقاد بين صفوفه بضعف هذا الاحتمال، فالطائرات الروسيّة تقصف أهدافاً في مناطقَ قريبةٍ من الحسكة من دون أن يكون لجيش النظام قدرةٌ على التقدّم الميدانيِّ، والأرجح أن يبقى النظام منكفئاً في تلك المنطقة. وهناك من يعتقد في وسط الحزب بأنه حتى في حال عدم تعاونه مع التدخّل الروسيّ، فإن هذا التدخّل يحقق أهدافاً تلقائيّةً له، وأولها تحجيم الخطط التركيّة في شمال سوريا، الأمر قد يعقبه تقدّم المقاتلين الأكراد – ربما مع بعض فصائل المعارضة السورية- نحو جرابلس التي يحكمها تنظيم داعش.

هوامش
1- روسيا تورد السلاح للأكراد الذين يحاربون ” الدولة الإسلامية” عبر الحكومة العراقية – وكالة سبوتنيك- 1 تشرين الأول 2015 – http://goo.gl/UWirmv

2- لافروف يؤكد لرووداو تسليح إقليم كردستان ووزارة البيشمركة تنفي – 2 تشرين الأول 2015 – http://goo.gl/tk1u5A

3- لافروف يؤكد لرووداو تسليح إقليم كردستان ووزارة البيشمركة تنفي – 2 تشرين الأول 2015 – http://goo.gl/tk1u5A

4- تسليح أكراد العراق .. محاربة تنظيم الدولة واستدراج الصراع – مجموعة الأزمات الدولية – 12 مايو 2015 – http://goo.gl/i3bKPG

5- إقليم كردستان يدعو واشنطن وموسكو للتوحّد ضد داعش – 2 تشرين الثاني 2015 – http://goo.gl/nXGWex

6- رئاسة إقليم كردستان: نرحب بروسيا إذا قامت بمساعدة البيشمركة – 4 تشرين الأول 2015 – http://goo.gl/HFI89m

7- محافظ كركوك يبحث تحرير الحويجة مع وفد وزارة الدفاع الاتحادية – 4 تشرين الأول 2015 – http://goo.gl/zGf8JO

8- تسليح أكراد العراق .. محاربة تنظيم الدولة واستدراج الصراع – مجموعة الأزمات الدولية – 12 مايو 2015 – http://goo.gl/i3bKPG

9- أنس محمود الشيخ مظهر – رد على رسالة للكاتب عبر الإيميل.

10- بختيار شاويس: التقارب الروسي الأمريكي يجب ألا يكون على حساب الكورد – 4 تشرين الأول 2015 – http://goo.gl/BCvGCC

11- صالح مسلم – رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي- رد على رسالة للكاتب عبر الإيميل.

12- موسكو تدعو فتح مكتب لتمثيل كانتونات روج آفا – 2 تشرين الأول 2015 – http://goo.gl/iYKy07

13- صالح مسلم للحرة: هدف روسيا دعم النظام السوري أم محاربة المتطرفين – 4 تشرين الأول 2015 – https://goo.gl/FMfzsO

14- وحدات حماية الشعب الكردية في سوريا تطلب من روسيا التنسيق والسلاح – 1 تشرين الأول 2015 – http://goo.gl/QcHbwm

15- أوباما يتحدث عن برنامج تدريب للكورد في سوريا – 3 تشرين الأول 2015 – http://goo.gl/RzUIDR

16- الحرب السورية: بوتين وأوباما يتفقان.. ويختلفان – 30 أيلول 2015 – http://goo.gl/90xS6j

حسين جمّو

كاتب وصحفي كردي سوري، مقيم في دبي. تولد حلب 1983. متخرج من قسم الإعلام في جامعة دمشق. يكتب في الصحافية العربية عن الشؤون الكردية والتركية، ومتابع للقضايا المرتبطة بالحركات الجهادية في سوريا. عمل محرراً في صحيفة الخليج الاماراتية، وحالياً محرر في القسم السياسي في جريدة البيان الاماراتية