ورشات العمل

ورشة عمل “مسألة اندماج اللاجئين وارتباطها بظروف وثقافة بلدانهم الأصلية”

المحتويات:

تقرير عن ورشة العمل بقلم هيئة تحرير مجلة “أصوات” في العدد الثاني منها.

نص الورقة المقدمة من أنيس محسن بعنوان “مسألة اندماج اللاجئين وارتباطها بظروف وثقافة بلدانهم الأصلية”.

تقرير مجلة أصوات “الهروب من الموت إلى معضلة الاندماج”

 ضمن سلسلة ندوات وورشات عمل يقيمها مركز دراسات الجمهورية الديمقراطية بعنوان: “مسألة اندماج اللاجئين وارتباطها بظروف وثقافة بلدانهم الأصلية”، عقدت ورشة العمل الأولى في بوردو (فرنسا) في 6 تشرين الأول / أكتوبر، نوقشت خلالها ورقة قدمها الصحافي الفلسطيني، سكرتير تحرير مجلة الدارسات الفلسطينية، والناشط في مجال حقوق اللاجئين في لبنان، عضو الهيئة الإدارية للمنظمة الفلسطينية لحقوق الإنسان، أنيس محسن، بعنوان: “اللاجئون من سوريا: الهروب من الموت إلى معضلة الاندماج”، وهي ورقة أُعدت أيضاً في سياق مشروع للتعاون بين المركز ومجلة الدراسات الفلسطينية، للإضاءة على وضع اللاجئين الفلسطينيين في أوروبا.

فبسبب مجازر وعمليات قتل جماعي وتدمير ممنهج من قبل النظام، تم تهجير ملايين السوريين، وصل بضع مئات الآلاف منهم إلى أوروبا، ليصطدموا بمصاعب شتى تتعلق بحياتهم اليومية.

السؤال الكبير المطروح هنا، هو مسألة اندماج اللاجئين السوريين في مستقرّهم الأخير، وما إذا كان المقصود في المسألة هذه الانصهار التام، أم التأقلم وتقبّل ثقافة البلد المضيف مع الحفاظ على الشخصية الثقافية التي تميّز اللاجئين (الديانات وبعض المفاهيم الاجتماعية).

وفي محاولة لوضع أسس نظرية لهذه المسألة تحيل الورقة الأمر إلى اثنين من كبار المثقفين والمنظرين في علم الاجتماع، حنّا أرندت التي تناولت في مقالتها الشهيرة “نحن اللاجئين” (We Refugees) سنة 1943، مسألة الاندماج بالنسبة للاجئين اليهود الأوروبيين خلال الحرب العالمية الثانية من الدول التي كانوا مواطنين فيها إلى دول أخرى في القارة لجأوا إليها وكذلك في كتابها “الامبريالية” (Imperialism)؛ وجورجيو أغامبين الذي أعاد، في سنة 1993 بعد خمسين عاماً، في مقالته “أبعد من حقوق الإنسان” (Beyond Human Rights)، الحياة إلى سؤال أرندت بشأن الاندماج في إثر انهيار الاتحاد السوفياتي السابق والدول الاشتراكية في شرق ووسط أوروبا، وحرب البلقان. وفيما صورت أرندت الواقع في زمن مقالتها، فإن أغامبين سعى إلى تصور مستقبلي، من خلال ما يصفه ببداية تحلل الدولة/ الأمّة نحو تتشكل دولة/ الإنسان المجرّد.

وبناء على التأسيس النظري هذا، تفترض الورقة، نظرياً أيضاً، أن لا المجتمع المضيف المتطور ثقافياً واجتماعياً واقتصادياً مهيأ لفهم اللاجئين بما هم عليه، ولا اللاجئون مهيأون للاندماج بالمجتمع المضيف، وبالتالي هم عالقون بين الإقصاء من قبل المجتمعات المضيفة أو الإقصاء الذاتي بسبب صعوبة الاندماج، أو إنهم يعيشون اندماجاً وهمياً “انتهازياً”، مما يتوجب انتاج أعمال بحثية وميدانية تقارب هذه المسألة.

تأخذ بالاعتبار الاستفادة من تجربة الهجرات السابقة الفردية التي عرف الكثيرون خلالها “إندماجاً إيجابياً”، وهجرة جماعية، من شمال أفريقيا، استقدمت بهدف استخدامها كعمالة رخيصة، في عملية إعادة الاعمار بعد الحرب العالمية الثانية، شابتها سلبيات كثيرة.

وبعد أن تعرض الورقة المسارات الزمنية لتطور قوانين الهجرة إلى أوروبا خلال الحرب العالمية الثانية وفي أعقابها، فإنها تركز على موجات اللاجئين من الشرق الأوسط وأفريقيا، وخصوصاً من سوريا اعتباراً من سنة 2012، والتي شهدت تدفقاً كبيراً خصوصاً في سنتي 2015 و2016. فوفق مكتب الإحصاء الأوروبي (يوروستات)، استقبلت دول الاتحاد 431 ألف لاجئ من دول عدة في سنة 2013، و627 ألفاً في 2014، وارتفع هذا العدد بحدّة وبلغ مليوناً و300 ألف لاجئ تقريباً في سنة 2015، لينخفض إلى قرابة مليون و260 ألف لاجئ سنة 2016. ويقدّر مكتب الإحصاء الأوروبي أن عدد اللاجئين الذين طلبوا اللجوء في دول الاتحاد في 2015-2016 بلغ تقريباً ضعفي ما تم تسجيله في دول الاتحاد الـ 15 خلال موجة اللجوء السابقة من يوغوسلافيا السابقة في سنة 1992. وقد مثّل اللاجئون القادمون من سوريا كتلة وازنة من مجموع اللاجئين في دول الاتحاد الاوروبي. وجاءت أرقام توزع طالبي اللجوء من سوريا على بلدان الاتحاد الأوروبي، في سنة 2016، وفق مكتب الإحصاء الأوروبي، على النحو التالي: (1) ألمانيا 266250؛ (2) اليونان 26630؛ (3) النمسا 8730؛ (4) هنغاريا 4875؛ (5) السويد 4710؛ (6) فرنسا 4670؛ (7) إسبانيا 2930؛ (8) هولندا 2865؛ (9) بلغاريا 2585؛ (10) سويسرا 2040؛ (11) الدنمارك 1255؛ (12) بلجيكا 1235؛ (13) قبرص 1165؛ (14) رومانيا 805؛ (15) فنلندا 600؛ (16) النروج 540؛ (17) كرواتيا 335؛ (18) لوكسمبورغ 330؛ (19) مالطا 285؛ (20) سلوفينيا 260؛ (21) إيرلندا 245؛ (22) لتوانيا 165؛ (23) لاتفيا 150؛ (24) جمهورية التشيك 65؛ (25) إستونيا 45؛ (26) أيسلندا 35؛ (27) سلوفاكيا 10؛ (28) إيطاليا 0؛  (29) بولندا 0؛ (30) البرتغال 0؛ (31) المملكة المتحدة (بريطانيا التي لا تزال حتى حينه تعتبر ضمن الاتحاد الأوروبي) 0؛ (32) ليخشتنشتاين 0.

ووفق توزيع الفئات العمريّة لمختلف جنسيات الذين لجأوا إلى دول الإتحاد الأوروبي المسجلين كمقدمي طلبات لجوء سنة 2016، فإن 17% كانت أعمارهم تزيد على 35 عاماً. أمّا من هم أقل من 35 عاماً فكانت نسبتهم 83%: منهم 51% تتراوح أعمارهم بين 18 و34 عاماً، و32% أقل من عمر الـ 18 عاماً.

وفي مسعى لمعالجة مسألة اللاجئين السوريين إلى أوروبا، تقترح الورقة أخذ تجارب الماضي بعين الاعتبار عند الحديث عن الاندماج، وخصوصاً تجربة المسلمين من شمال أفريقيا.

وفيما تتحدث عن تشابه شكلي بين لجوء السوريين إلى أوروبا، مع الهجرة الجماعية من شمال أفريقيا بعد الحرب العالمية الثانية، فإنها تشير إلى اختلاف الزمن والتجارب والقوانين الجديدة وتطور المفاهيم الاجتماعية والانتاجية – الاقتصادية، ونوعية اللاجئين أنفسهم، ودرجة التحصيل العلمي العالية واليد العاملة المهنية لدى اللاجئين من سوريا أخيراً.

تشير الورققة إلى مصاعب عملية الإدماج (من قبل الدول المضيفة) والاندماج (من قبل اللاجئين أنفسهم)، نظراً لاختلافات ثقافية ومفاهيمية، ولغياب اليقين من المستقبل وقرارات الاستقرار أو العودة بعد أن تستقر الأوضاع في سوريا.

لكن إلى أن تستقر الأوضاع، سواء اختار بعض اللاجئين البقاء أو اختار آخرون العودة، فإن الحاضر يدفع نحو البحث عمّا يساعد اللاجئين في عيش حياتهم في البلدان التي يقومون بها.

لقد ظهرت في ورشة العمل، الكثير من الأسئلة التي تساعد في بناء قاعدة للتوصل إلى تسوية ما في هذا السياق، من تلك الأسئلة التأسيسية:

  • هل الاندماج يعني الانصهار؟ وهنا دار نقاش، كان التوفق على الاجابة عليه أن الاندماج لا يعني الانصهار، وأن استيعاب مفاهيم المجتمع المضيف يجق أن لا يقود بالضرورة إلى إلغاء الخاصية الثقافية والاجتماعية بشكل كامل للاجئين.
  • لكن هل المجتمعات المضيفة مهيأة هي الأخرى لاستيعاب اللاجئين بما يحملون من ثقافة خاصة وعادات وتقاليد، وهل يعمل المضيفون: كنظام سياسي واجتماعي، على تهيأة أنفسهم واللاجئين لتجربة تمازج ثقافي وحضاري؟ سؤال مركب، يحتاج إلى أبحاث يشترك فيها مختصون في الدول المضيف.
  • مسألة البيروقراطية المتجذرة في الدول الأوروبية، عرضت أيضاً كعنصر منغص لحياة اللاجئين، إذ إن معاملة صغيرة قد تحتاج إلى أشهر لتصل إلى خواتيمها. بعض اللاجئين يعتقد أن تلك البيروقراطية تستخدم لتعقيد حياتهم اليومية، فيما ما يجب أن يعرفه هؤلاء أن التقعيدات البيروقراطية تلك، يعاني الأوروبيون منها مثلهم مثل اللاجئين.
  • اللغّة تلعب أيضاً دوراً في تأخير مسألة الاندماج، علماً أن عدداً لا بأس به من الشبان/ ات ممن هم دون الخامسة والثلاثين إمّا أنهم يتحدثون لغة أوروبية، أو أنهم يمتلكون القدرة على تعلمها.
  • تلك المعوقات، تقود اللاجئين إلى إعادة تجميع أنفسهم في الأمكنة التي فرزوا إليها، لكن ما يمكن أن يمثل اختلافاً عن تجربة الشمال أفريقيين السابقة، أنه يتم توزيعهم داخل مجمعات سكنية مشتركة مع مواطنين أوروبيين أصلانيين وآخرين من المهاجرين الذين اكتسبوا قديماً أو حديثاً المواطنة.

كخلاصة، يمكن طرح سؤال: هل يمكن تعميم النجاحات الفردية وتحويلها إلى عملية إدماج للمجموعات الأقل قدرة على الاندماج، والتي تحتفظ بهويتها الأولى التي فقدتها عملياً وترفض الثانية التي تمتلكها لكنها تنكرها واقعياً، ولا تستطيع أن تجد تسوية بين الهويتين؟ لعل الجواب يساهم بفهم أهمية تعاون الدول الأوروبية مع المجتمع المدني للجاليات، وتشجيعه على العمل في أوساط اللاجئين والمهاجرين الجدد، والمساعدة في تأقلمهم مع ظروفهم الجديدة، ومن ذلك مساعدة اللاجئين الجدد على التعرف على ثقافة المجتمعات التي باتوا في كنفها، وتعلّم لغتها. وهذا أيضاً يستدعي دعم مساعي المبادرات الثقافية، لتمكين المثقفين، ومؤسساتهم، من التأثير الإيجابي لدعم الاندماج ومواجهة التطرف.

 ورقة الورشة “مسألة اندماج اللاجئين وارتباطها بظروف وثقافة بلدانهم الأصلية”

[gview file=”http://drsc-sy.org/wp-content/uploads/2017/10/اندماج1.pdf”]