مقابلات

يوسف فخر الدين: لعلّنا لا نسير في مسار التدمير الذاتيّ إلى نهايته

المتابع لشبكات التواصل الاجتماعيّ في الأيام الماضية سيلاحظ التفاعل الكبير مع تغريدة لموسى أبو مرزوق، القياديّ في حركة حماس، رفض فيها تصنيف حزب الله على أنّه إرهابيٌّ. عدنا إلى مدير “مركز دراسات الجمهوريّة الديمقراطيّة”، يوسف فخر الدين، المعروف بانتقاده لحركة حماس، وتعرّفنا على رأيه في ما يتعلّق بالتغيّرات التي جرت على موقف حركة حماس وردّات الفعل منها على ضوء التصريحات الأخيرة.

س/ ما إن غرّد موسى أبو مرزوق على “التويتر” بأنّ “حزب الله ليس بمنظّمة إرهابيّة، وإن مضى ذلك التصنيف فنحن جميعًا ذاهبون إلى المصير نفسه، يجب أن يكون الموقف بالإجماع لتصويب بوصلة العرب السياسيّة، فلسطين والقدس”. حتى ثار كثر عليه، كيف ترى مجريات الأمور؟

ج/ نحن في خضمّ أزمة وجوديّة على كلّ الصعد، ويُظهر موقف “أبو مرزوق”، وردّات الفعل عليه، مدى التهتّك الذي وصلنا إليه. من جهة يخطئ “أبو مرزوق” في إدارة معضلة تواجهها الحركة، فهي محقّة إن اعتقدت أنّه سيتمّ إدخالها مباشرة بعد حزب الله في حظيرة الإرهابيّين إن دخل، ولكن كان أمام الحركة وقت طويل منذ توضّح أنّ مسار الربيع العربيّ الذي راهنت عليه قد انكسر، وكان بإمكانها، رغم بنيتها ضعيفة الديناميّة، أن تتحرّك إلى حيث تقلّل خسائرها من دون أن تجد نفسها مهدّدة بأن تُحشر مع من دمّروا سورية؛ ومن جهة أخرى الكثير من ردّات الفعل على ما ذهب إليه “أبو مرزوق”، ولا أقول كلّها، لم تكن عادلة، وبعضها كان متجنّيًا على فلسطين وقضيتها وليس على حماس فحسب. وهو ما لاحظناه منذ بداية الثورة، حيث كانت معظم أوساط المعارضة المهيمنة تتهرّب من القضيّة الفلسطينيّة (وهو ما كان مفهومًا، ومبرّرًا، من قبل الفلسطينيّين المؤيّدين للثورة السوريّة لعلمهم أنّ حِملَ الثورة تخرّ دونه الجبال)، إلّا أنّ بعضهم غالى حين أظهر ميلًا ثأريًّا منها. واليوم تنقسم المواقف التي تابعناها بين معاتب محقّ، ومتجنٍّ يحصر تجنّيه بالحركة، ومحرّض عليها وعلى فلسطين بالجملة. وإذ يمكن التضامن مع النوع الأوّل، وحوار الثاني (عبر تبيان تسرّعه في التعامل مع مواقف حماس التي تتعرّض، مع الواقعين تحت حكمها في غزة، لحصار ظالم ومستمرّ، والتي تناضل بدورها، كما فتح وإن كرهت الاعتراف، من أجل دولة مستقلة يتوضّح يومًا بعد يومٍ أنّها مستحيلة المنال، والتي تعمل، كما فتح، على محاولة تقليل خسائر فلسطين وقضيّتها في الظرف الراهن)، فإنّ النوع الثالث لا حلّ معه.

إذًا، هناك أوضاع سياسيّة سيئة في عموم المنطقة، هناك احتلال إيرانيّ في العراق وسورية، وهناك انهيار عربيّ وصراع بينيّ حادّ (تجري فيه تصفية حسابات)، وهناك أحيانًا تحامل لأسباب أيديولوجيّة، وكلّها عناصر من فوضى عامّة تكاد تدمّر كلّ أسس السياسة كما الاجتماع في منطقتنا، ويفترض التوقّف عندها والتفكير فيها لعلّنا لا نسير في مسار التدمير الذاتيّ إلى نهايته.

س/ لكنّ هناك موقفًا عامًّا من الفصائل الفلسطينيّة حتى في وسط الفلسطينيّين، وانتقادات لطريقة عملها

ج/ هذا صحيح وصحيّ، وضروريّ، وهو يطال جميع القوى المنظّمة في المنطقة، ويطال المثقّفين، والناشطين، ومؤسّسات المجتمع المدنيّ أيضًا. ولكنّ هناك ميل تدمير ذاتيّ يتعاظم كما أشرت، حيث إننا قد ندخل جميعًا في الخلط ما بين الحاجة الضروريّة للنقد (بما تحتاجه من رؤية العوامل وأسبابها ومقدارها وبدائلها…) وبين نزعة ثأريّة، أو اندفاعات قطيعيّة لتدمير كلِّ شيء عبر وضع مكوّنات عالمنا في مواجهة بعضها، كما فعل أصحاب “الهاشتاغ” الذي انتشر في أوساط سعوديّة مؤخّرًا “الرياض أهمّ من القدس”، وهو ما يعني أن نتفكّك حتى آخر بيت؛ فـبيتي أهمّ من بيتك، وغرفتي أهمّ من غرفتك…

بمستوى آخر يفترض التمييز بين الخلاف مع حماس على الموضوع الفلسطينيّ، وبين نقاشها بمواقفها المؤثّرة على الموضوع السوريّ. فالحركة بمجملها تضرّرت بشدّة من موقفها الذي كان بعمومه مع الثورة السوريّة، وتوزّع بين من كان معها بالتصريح (كما فعل خالد مشعل وهنية) وبين من شارك فيها بقراره الذاتيّ (وهم أغلب شباب الحركة في سورية) وبين من أقرّ في دوائر الحركة أنّ قلبه مع الثورة ولكنّه مع الحياد حتى لا تتضرّر القضيّة الفلسطينيّة، وكان له رأي في ضرورة استمرار العلاقة مع إيران لما اعتبره أسبابًا فلسطينيّة. والموقف الأخير هو ما انتهجه “أبو مرزوق” منذ بداية الثورة، وهو ما يظهر أنّه ساد داخل الحركة مع انكسار الثورة في سورية، ومصر، وأداء المعارضة السوريّة المهيمنة المخزي

س/كيف تقيم وضع حماس اليوم

حركة حماس محاصرة، ومعرّضة لاحتمالات أحلاها مرّ، وهو ما اشتدّ عليها كونها خسرت حلفاء بموقفها من الثورة السوريّة من دون أن تكسب حلفاء بدلًا منهم. وهي تبحث عن مهارب لها، ما دفعها إلى المصالحة مع فتح والتزلّف للحكم العسكريّ في مصر. وعادت والتفتت إلى إيران، كون لا كرسي لها على الطاولة السعوديّة، والمعارضة السوريّة المهيمنة دخلت في نفق مظلم لا يمكن لحركة حماس تأمّل شيء جيّد من جهتها (طبعًا لن أسأل إن كان المتحاملون بتطرّف على حماس وفلسطين يعرضون عليهما التحالف بدلًا من إيران، كوننا لا نمتلك طاقة على التهكّم). وإذ تتحمّل الحركة مسؤوليّة كبيرة عن حالها على الصعيد الفلسطينيّ نتيجة سياساتها الخاطئة، أراها ضحيّةً على الصعيد الإقليميّ وإن كانت تلام على بطيء تحرّكها، وتفضيلها العودة إلى الخلف (وهذه سياسة أبو مرزوق) بدلًا من السير أكثر إلى الأمام، وهو حديث ذو شجون ليس هذا بموضعه.

س/ إذًا هي إدانة مركّبة

قل نقدًا لأحوالنا حيث، وكما أشرت، نحن مهدّدون بالتفتت حتى التبدّد ربما. إنّه نقدٌ لأنّنا في حاجة إلى التوقّف ومراجعة كلّ شيء، عسانا ننتج عقلانيّة تمكّننا من مواجهة الظلم علينا، وتتيح لنا تمييز من يمكن أن نتحالف معهم، أو مع بعضهم، بدلًا من السعي المحموم لتدميرهم وتدمير كلّ شيء.

همام الخطيب

محلّل في قسم التحليل السياسي والإحصاء في مركز دراسات الجمهورية الديمقراطية