تقرير إحصائي أولي عن اللاجئين السوريين في الدول الصناعية الـ 44 من عام 2011 وحتى النصف الأول من 2014
مقدمة التقرير
بدأ السوريون بالخروج من بلدهم طلباً للجوء في مروحة كبيرة من البلدان بعد تدهور الأوضاع وتصاعد العنف في سوريا. ومن الثابت أن السبب الأول والرئيس للجوئهم هو البحث عن الأمان هرباً من الموت المحقق، ومن الأوضاع الإنسانية المزرية التي يعيشها الشعب في الداخل السوري. بدايةً، كانت حركة اللجوء، للسوريين عامةً، تقتصر على الهروب إلى البلدان المجاورة لسوريا: تركيا، ولبنان، والأردن، ومصر، والعراق. إلا أن مزيداً من التدهور، وطول زمن الصراع، واتساع رقعته، وعدم تبيّن أفق لنهايته، أدوا إلى تطور فكرة اللجوء لدى السوريين، فلم تعد محصورة ضمن الدول العربية المحيطة والقريبة من سوريا، وإنما امتدت إلى حيث يعتقدون بأنهم سيعامَلون بشكل أكثر عدلاً وسيجدون فرصاً للعمل والتعلم. وكانت الأوضاع الصعبة، بتفاوت، التي عاشها اللاجئون السوريون في البلدان المجاورة، ورفض دول أخرى في المنطقة استقبالهم، عاملاً محفزاً للتفكير في اللجوء خارج المنطقة وتحديداً دول الاتحاد الأوربي. وجاء قرار الدول الأوربية بمنح صفة اللجوء لكل من يصل من سوريا إلى أراضيها، ولاسيّما الدول الإسكندنافية، وعلى رأسها مملكة السويد (حيث أصدرت مصلحة الهجرة السويدية في 3 أيلول/سبتمر 2013 ، قراراً بمنح صفة اللجوء وإقامة دائمة للاجئين السوريين ضمن أراضيها) مشجعاً لهذا التفكير.
لكن المسالك التي سار بها اللاجئون السوريون للوصول إلى أوربا، اختلفت حسب اختلاف أوضاعهم. فمن استطاع منهم الحصول على وضعية لاجئ عبر السفارات الأوربية، أو أي من أنواع “الفيز” الممنوحة عن طريقها ليقدم طلب لجوء عند وصوله، كان الأسعد حظاً. ومن لم يستطع اضطر لسلوك طرق التهريب الخطرة والمكلفة، والتي منها السفر بالبحر عبر قوارب لا تصلح للسفر الإنساني وأودت بحياة المئات من ركابها حتى أطلق عليها اسم “قوارب الموت “.
ولم يتردد السوريون في اتخاذ كل الوسائل، وسلوك كل السبل، للوصول إلى الدول الأوربية. فكانوا في مسعاهم المستميت هذا عرضة للافتراس من مافيات التهريب، وتجار الدم. وكما أن طرق الهجرة غير الشرعية إلى الدول الأوربية كانت مُكلفة في الأرواح، كانت كذلك مٌكلفة بالأموال بحيث استنزفت مٌدخرات العائلات السورية عبر سنين طويلة. وهي التكلفة التي قدرناها في دراستنا بنحو 890،865،000 $. إنها التكلفة التي قد خسرها المجتمع السوري من خلال استنزاف المدخرات، وتسييل الذهب والمدخرات، من أجل تمويل عمليات تهريب اللاجئين إلى الدول الأوربية. وهو ما يفترض أن يضاف إلى خسائر الحرب الكثيرة في سوريا.
على الأغلب ستبقى قصص الهجرة بالقوارب، “قوارب الموت”، في ذاكرة السوريين طويلاً. تلك الرحلات التي انطلقت بكثافة من سواحل الإسكندرية ومن سواحل ليبيا إلى إيطاليا ولاسيّما في شهر أيار/يونيو 2013، فكانت هناك تراجيديا أخرى يعيشها السوريون على طرق التهريب والهجرة غير الشرعية، بعيداً عن التراجيديا التي مازالت مستمرة في سوريا.
بدأت عمليات الإنقاذ في سواحل المتوسط، ولاسيّما قبالة شواطئ مالطا وإيطاليا، وسُجلت عمليات غرق لكثير من القوارب المتجهة إلى إيطاليا من مصر وليبيا، هذا ماعدا الانتهاكات التي سُجلت بحق السوريين الذين امتطوا “قوارب الموت”، وانتهاكات خفر السواحل المصري وخفر السواحل الليبي، فكانت عمليات الترحيل إلى سوريا إجبارية لكل من يُلقى القبض عليه مهاجراً باستخدام هذه القوارب إلى الدول الأوربية.
وإذا كان سؤال العالم عما فعله للسوريين في محنتهم يُرد عليه بكثير من الحجج المتهافتة عندما يتعلق الأمر بوضعهم في آتون الحرب، فإن السؤال عن اللاجئين السوريين، ومن في حكمهم، الذين يتعرضون لأسوأ الظروف في معظم معسكرات لجوئهم في دول الجوار، وعن الأهوال التي يتعرضون لها في رحلتهم للهروب من “الجحيم” عبر طرق لا يمكن إلا لليائس أن يسلكها، لا يجد –غالباً- أي جواب.
واليوم، مع مرور واحد وأربعين شهراً على بداية الثورة السورية، أصبح من غير المقبول قبول “ضخامة المأساة” كمبرر وحيد لسوء أحوال اللاجئين السوريين، وقلة اهتمام المجتمع الدولي بهم؛ حيث أصبح من الواضح أن هناك أسباباً أخرى منها ما هو سياسيٌّ، ومنها ما له علاقة بضعف، أو غياب، المؤسسات السورية المختصة. ومن هذه الأسباب: تعطيل كل من روسيا والصين إصدار قرارات عن مجلس الأمن تسهل إجراءات مساعدة السوريين عموماً، تحت حجة “سيادة الدولة السورية”، التي لم يعد لها وجود فعلي؛ الخلاف بين السلطة السورية ومعظم دول اللجوء، ما جعل الأخيرة ترفض أي دور لها، بينما لم ينشأ بعد جهاز بديل، يمتلك الخبرة والجدية لدى “حكومة المعارضة”؛ غلبة مؤسسات الإنجيؤز ذات الطابع الإغاثي، والتي يعمل في معظمها أشخاص غير اختصاصيين ينصب اهتمامهم على القيام بدور الوسيط بين الجهات المانحة واللاجئين؛ ضعف خبرة المعارضين السوريين بالقرارات والقوانين الدولية، ومنها القرار رقم 319 (4) للعام 1949 الذي تأسست بموجبه “المفوضية السامية لشؤون اللاجئين”، والنظام الأساسي لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة بموجب قرارها رقم 428 (د-5) المؤرخ في 14/12/1950( )، وضعف معرفتهم بالمؤسسات الدولية المعنية باللاجئين( )،وهذا ناتج عن غياب المؤسسات المتخصصة القادرة على التواصل مع هذه المؤسسات لتحسين شروط حياة اللاجئين السوريين وحماية حياتهم، والتي يحصلون عبر بعضها على الحماية الأممية.
يبقى أن نسجل ملاحظة: على الرغم من أن اللاجئين الفلسطينيين السوريين، الذين عادوا لتكبد معاناة لجوء جديد، هم جزء لا يتجزأ من اللاجئين السوريين( )، إلا أن هناك أسباباً جعلتنا نفصل التقرير الإحصائي الخاص بهم عن عموم اللاجئين السوريين ونصدره بشكل مستقل؛ وهي: كونهم يتبعون إلى وصاية “وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين”UN”( ) في مناطق عملها (الضفة الغربية، قطاع غزة، الأردن، سوريا، لبنان)، بينما يكونون تحت وصاية مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين خارج هذه المناطق، وغالباً يجري التعاون بين الوكالتين الدوليتين بخصوصهم؛ ونظراً لخصوصية حقهم الوطني بالعودة إلى ديارهم التي أخرجوا منها في فلسطين( )؛ وكونهم ممثلين سياسياً عبر “منظمة التحرير الفلسطينية”. وإن كانوا في كل ما عدا ذلك إجرائياً (وإن أحيانا عبر الالتفاف على القوانين بأساليب قانونية)، وبانتمائهم لسوريا، مساوين إلى حد بعيد للسوريين. كما نشير إلى أن التقرير الأول الذي بين أيديكم، هو خطوة لدينا كل الأسباب لمعرفة أنها بحاجة إلى مزيد من التطوير والتدقيق، ولهذا الهدف نمد يدنا لكل الجهات المهتمة بموضوع التقرير لتطويره، واستكمال الجوانب الناقصة فيه، خدمة لللاجئين، وضمن طموحنا لرسم خريطة سكانية للاجئين السوريين، وخريطة جديدة للاجئين الفلسطينيين.
للاطلاع، وتنزيل، الإحصائية، المرفق أدناه:
[gview file=”http://drsc-sy.org//wp-content/uploads/2014/09/st-syr.pdf”]