سوريا 2013: العالمُ يفاوض بشاراً على دماء السوريّين
مثّل استخدام نظام بشار الأسد السلاحَ الكيميائيّ في المجزرة المتواصلة التي يرتكبها ضدَّ الشعب السوريّ، نقطةً فارقةً في سياق الأزمة السوريّة، ليس فقط لأنها المرة الأولى التي يستخدم فيها سلاح القتل الشامل هذا في القرن 21 وللمرة الثانية منذ انتهاء الحرب العالميّة الثانية، إذ كان قد سبقه إليها صدام حسين عندما أمر بقصف الأكراد في مدينة حلبجة الكردية في سنة 1988، بل لأن هذه الجريمةَ كشفت رياء الغرب الذي تعاطى مع ضحايا القصف الكيميائيِّ بلاإنسانيّةٍ منقطعة النظير وغير مسبوقة، حين قرّر نسيانهم والتركيز على ما جمع من مخزونٍ كيميائيٍّ ورؤوسٍ حربيّةٍ بهدف تدميرها كي لا تُستخدمَ ضدَّ إسرائيل لاحقاً؛ مخيّراً إياهم بين رفض بقاء الأسد والموت ببراميله المتفجرة التي بلغت قبل أيام من نهاية 2013 أكثر من 5,000 برميلٍ متفجّرٍ حصد أكثر من 20,000 شهيدٍ وأكثر من 100،000 جريح، أو الرضوخ بقبول بقاء الأسد ونظامه والعيش كأحياء أموات في ظلِّ نظامٍ يعرّف الأمن والسلام على أنه خضوعٌ كاملٌ من الشعب لإرادته.
وبموازاة موقف الغرب الدنيء برز الموقف القذر لحلفاء النظام الإقليميّين والدوليّين الذي أحال استخدام الكيميائيّ إلى المعارضة رغم استحالة الأمر هذا علميّاً، بل اعتبر مرةً الضحايا إرهابيّين ومرةً أخرى أنهم عائلاتٌ جُمعت من مناطقَ مؤيدةٍ للنظام وتمَّ قتل أفرادها ونشرهم في ميدان المنطقة المستهدفة بالكيميائيّ كي يتهمَ النظام بالمجزرة.
كما أن هذا المجتمعَ الدوليَّ الفاقد لكلِّ إنسانيّةٍ، تناسى مئات ألوف القتلى والجرحى والمفقودين وملايين النازحين واللاجئين، ولم يعد في إطار الصورة عنده سوى “الإرهاب الإسلاميّ” و”السلاح الكيميائيّ”، بالطبع مع امتداح النظام المرتكب لكلِّ تلك الجرائم، لتخلّيه عن ترسانته الكيميائيّة.
أما سياسيّاً، فلم يعد، واقعيّاً، إجراءُ انتخاباتٍ رئاسيّةٍ – سواء ببشار الأسد أو من دونه – في الموعد الرسميّ في حزيران 2014 لضيق الوقت، وبهذا قد تكون روسيا ربحت رهاناً بالتمديد للأسد بحكم الأمر الواقع وبغضِّ نظرٍ غربيّ؛ ومن ثَمَّ لم يعد ممكناً تصوّر سقوط النظام الحالي لمصلحة نظامٍ جديدٍ ديموقراطيٍّ يأتي بواسطة صندوق الاقتراع. وربما بات مؤتمر “جنيف 2” الذي توافق عليه الأميركيّون والروس ومبعوث الأمم المتحدة الأخضر الإبراهيمي، في مهبِّ ريح التطورات المتلاحقة التي قد تغيّر كلَّ الترتيبات إلى حين عقده في الموعد المعلن في 22 كانون الثاني 2014، بعدما عمل الغرب والشرق على تحويل أزمة نظام بشار الأسد إلى انهيارٍ شاملٍ للمجتمع والدولة في سوريا.
ولا يعني ذلك أيضاً أن النظامَ المسنود بوضوحٍ من قبل إيران وروسيا لوجستيّاً وسياسيّاً وديبلوماسيّاً، وميدانيّاً بوساطة “حزب الله” والمجموعات العراقيّة الطائفيّة المسلّحة وبعض المرتزقة، هو نظامٌ باقٍ. فنظامٌ تقود ديبلوماسيّته روسيا وبيت ماله إيران، وتنفذ مهامه الميدانيّة مجموعاتٌ من تحالف “‘حزب الله’ ـــ المليشيات الطائفيّة العراقيّة ـــ المرتزقة القادمون من روسيا” مباشرة، وتنفذ “داعش” و حزب الاتحاد الديموقراطي (بالكردية: Partiya Yekîtiya Demokrat ـــ PYD) مهماته القذرة ضدَّ ناشطي المجتمع المدنيّ السوريّ والإعلاميّين والصحافيّين المحليّين والعرب والغربيّين وضدَّ العناصر العلمانيّة في “الجيش الحر”، هو وَهْمُ نظامٍ وصدىً لصوتٍ قديمٍ بات يتلاشى وصورة تبهت كلَّ يومٍ مع دخول عناصرَ غريبةٍ جديدةٍ أرضَ المعركة.
لكن الأزمة السوريّة لا يمكن اختصارها فقط بأزمة نظامٍ متهاوٍ، بل قد باتت أزمةً مركّبةً طرفها الثاني معارضة، وصفها ديبلوماسيٌّ غربيٌّ معنيٌّ بالوضع في سوريا لكاتب المقالة هذه، بأن ممثليها القابعين في اسطنبول مجموعةُ أفرادٍ بات أمر جمعهم ضرباً من المستحيلات، إذ إنه بدل أن يكونَ النقاشُ معهم موجّهاً نحو البديل من النظام، بات عملاً مضنياً لمصالحتهم كأفراد بعضهم ببعضهم الآخر. أما معارضة الداخل فهي حائرةٌ بين معارضة النظام ومعارضة المعارضة، وتبقى الضحية الكبرى تلك الفتيات والنساء والشبان والرجال الذين خرجوا من رحم المجتمع المدنيِّ المقموع قاصدين فضاءات الحرية، لتفاجئهم دمويّة النظام وتخاذل نصفي المجتمعين العربيّ والدوليّ، وخيانة النصفين الآخرين لخيارات الشعب السوري.
هذا الخارج الذي ردّد صدى دعاية النظام الأسدي المغرضة، بأن الخيارَ هو بين نظام الأسد العلماني وبين مجموعاتٍ إرهابيّةٍ تقودها “رجعيّةٌ نفطيّةٌ عربيّة” و”غربٌ إمبرياليّ” بواجهة تظاهراتٍ سلميّة، بل باتت تلك الدعاية كتابَ الصلاة الذي يتلو منه الغرب والشرق خطابه الميّال عمليّاً نحو إبقاء النظام وإجراء مقايضةٍ معه بين بقائه وتخليه عن كلِّ ما يمكن أن يؤذي الحليف الإسرائيلي، الذي يبدو إلى الآن الرابح الوحيد من كلِّ المعادلة القائمة، ولاسيّما بتحييد “حزب الله” عبر إشغاله في المستنقع السوريّ الذي لا خلاص منه إلا بإعلان الموت السريري أو الصريح.
يعتقد الجوارُ الإقليميُّ والجار الأوروبيّ بإمكانية احتواء الحريق في الداخل السوري، واستخدام ساحة الصراع السوريّة لتصفية الحسابات مع “محور الشر”، لكن يبدو أن ذاكرة الغرب أضعف من ذاكرة سمكة ـــ حين ينسى أن استخدامَ “الجهاديّين” ضدَّ الاحتلال السوفياتي لأفغانستان، ثم محاربتهم بعد دحر المحتلّ السوفياتي أضعف الحليف الباكستاني وقوّض سلطته المركزيّة وباتت الدولة كلها في مهبِّ الريح، وجاء حصاده أيضاً في عملية 11 أيلول 2001 الإرهابيّة التي نفذتها القاعدة في أميركا، وتفجير القطار في إسبانيا في آذار 2004، وتفجيرات قطارات الأنفاق في بريطانيا في أيلول 2005.
لقد بات خيار “قاعدة ـــ نظام” الذي ادّعاه النظام وحلفاؤه المباشرون المتمثلون بروسيا وإيران والمجموعات الدائرة بفلك طهران، وغير المباشرين المتمثلون ببعض دول الجوار والكثير من الدول الغربية، شعاراً بائداً، وأصبح الواقع القائم هو: دولةٌ ضعيفةٌ مفككة أو الفوضى الشاملة، وأحلى الخيارين مرٌّ على سوريا وعلى المنطقة، بل وعلى مستوى العالم كله.
إن استبدالَ حنجرة إبراهيم القاشوش، شاعر العفوية الحموي ضدَّ النظام عندما كان سلاح المعارضة تظاهراتٍ سلميّةً في الشارع، والتي اقتلعها النظام، بخنجر تنظيم “داعش” الذي لا همَّ له سوى نحر المجتمع المدنيّ والقوى العلمانيّة وحتى الإسلاميّة الثوريّة، لن يفيد النظام ولا حلفاءه، إذ إن هذا التنظيم الطارئ على المجتمع السوريّ والقادم من خلف الحدود هو حالةٌ طارئةٌ إلى زوال، لكن سرعة زوالها يرتبط بقدرة قادة المعارضة على التوقف عن التحارب على مناصبَ وهميّةٍ وواهيةٍ هي مجرّدُ سرابٍ يرتسم أمامهم في منازلهم الدافئة في إسطنبول.
أما سوريا، فعلى الرغم من كلِّ ما يجري، فلن تفقد موقعها المركزي في المنطقة، إذ إن مستقبلها ـــ سواء أكان نظاماً جديداً أم فوضى ـــ سيعيد تشكيل المنطقة العربيّة برمّتها فيزهر ربيعها أو يستحيل خريفاً، وسيلامس الجار الأوروبيّ سلاماً أو تأثراً بفوضى جديدةٍ أكثر خطورةً من الفوضى التي خلقها الاحتلال الأميركيّ لأفغانستان والعراق بعد 11 أيلول 2001.
مجزرة الكيميائيّ والخذلان الدولي
في 21 آب 2013 وقع هجومٌ بالأسلحة الكيميائيّة طال بلدة عين ترما في الجنوب الغربي لدمشق، زملكا وعربين في الغوطة الشرقية، ومدينة المعضمية في الغوطة الغربية. وتمَّ توثيق مقتل أكثر من 1300 شخصٍ بينهم مئات الأطفال، وقد وثّق “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية” الظروف التي أحاطت بالمجزرة وأسماء الضحايا والمواقع التي سقطوا فيها، وكذلك المناطق التي أطلقت منها الصواريخ التي حملت الرؤوسَ المملوءة بالغازات السامّة والضباط المسؤولين عن إعطاء الأوامر بالقصف، وتمَّ الإعلانُ عن التفاصيل في مؤتمرٍ صحافيٍّ عقده في إسطنبول في 23 آب 2013، الأمين العام للائتلاف المعارض بدر جاموس.
كان المتوقع، واستناداً إلى وضع الرئيس الأميركي باراك أوباما خطّاً أحمرَ تمثل باستخدام السلاح الكيميائيّ من قبل النظام، أن تقودَ الولايات المتحدة المجتمع الدولي ـــ بغضِّ النظر عن موافقة مجلس الأمن الدوليّ أو عدمها ـــ وتوجه ضربةً ضدَّ قدرات نظام الأسد الصاروخيّة التي تتسبّب، بالكيميائيّ أو من دونه، في قتلٍ جماعيٍّ للمدنيّين.
وبدا أن الأمر محسومٌ فجر يوم الأربعاء 11 أيلول 2013 عندما أعلن أوباما أن قواته جاهزةٌ لتوجيه ضربةٍ عسكريّةٍ على سوريا، “إن لم تفلح الجهودُ الديبلوماسيّة الجارية حاليّاً من طرف المجتمع الدولي”، وكان سبق ذلك، اعتباراً من مطلع أيلول، تسريباتٌ صحافيّة بنهائية الضربة الأميركية، كما أن المسؤولين الأميركيّين أبلغوا الائتلاف السوري المعارض بأن الضربة واقعةٌ لا محالة، عندها جهزت الكتائب التابعة للجيش الحرّ وباقي فصائل المعارضة خطةً لاقتحام دمشق مع بدء الضربات.
هذه الاندفاعة بدأت تخفت مع تصويت مجلس العموم البريطاني في مساء 29 آب 2013 ضدَّ المشاركة بتوجيه ضربةٍ لنظام الأسد. وبعد أقل من 24 ساعة على تأكيد الرئيس الأميركي باراك أوباما في 11 أيلول 2013 أن قواته جاهزةٌ لتوجيه ضربةٍ عسكريّة على سوريا، تفاجأ العالم بإعلان وزيرَي الخارجية الأميركي جون كيري والروسي سيرغي لافروف عن الاتفاق على بذل جهودٍ لتنفيذ المبادرة الروسيّة الخاصة بوضع الأسلحة الكيميائيّة السورية تحت رقابةٍ دولية، ليأخذَ مسار الضربة الموعودة منحىً هبوطيّاً، ويتمّ وضع حدٍّ لاحتمالات توجيهها نهائيّاً مع صدور قرار مجلس الأمن الدولي 2118 في 28 أيلول 2013 حول السلاح الكيميائيّ لنظام الأسد.
انقلابات ميدانيّة
ويمكن وصف مرحلة ما بعد مجزرة الكيميائيّ، بأنها بدايةُ خسارةٍ مرّةٍ للثورة السورية، وتسجيل تراجعاتٍ على كلِّ المستويات، لكن لا بدَّ من التوقف عند محطاتٍ ميدانيّةٍ أساسيّة وذات تأثيرات إستراتيجيّة أيضاً، ولاسيّما: القصير، معارك دمشق وغوطتيها وامتداداً إلى معارك القلمون، معارك حلب وخسارة السفيرة.
– القصير: في الفترة من آذار 2013 وحتى منتصف أيار من العام نفسه، شهد لبنان حملةً دعاويةً غير مسبوقةٍ في إزاء ما بثّته وسائل إعلامٍ محليّة تابعة و/أو متحالفة مع نظام بشار الأسد، عن الخطر الداهم على لبنان من التكفيريّين “الذين يحتلون” مدينة القصير الحدوديّة (تبعد 35 كلم عن مدينة حمص غرباً، وعن الحدود اللبنانية 15 كم)، وترافق مع الحملة الدعاوية التخويفيّة تلك بداية قضم لقرى محيطة بالقصير ومدينة تل كلخ، كانت بيد المعارضة، وذلك بعد حصارٍ خانقٍ دام ستةَ أشهرٍ لمنطقة القصير.
وفي يوم الأحد 19 أيار وبعد يومين من الهدوء شهدت مدينة القصير قصفاً شديداً بالطائرات الحربيّة والمدفعيّة وقذائف الهاون ومنذ الساعات الأولى، ممّا أسفر عن سقوط عشرات المدنيّين والثوار بين قتيلٍ وجريح، ولاحقاً، في اليوم نفسه، بدأ اقتحام قوات النظام المدعومة من قبل المئات من ميليشيات “حزب الله” المدينة من عدّةِ اتجاهاتٍ واحتدم القتال في تسع نقاطٍ في القصير وحولها خلال النهار. وتمكنت القوات المهاجمة من الدخول إلى وسط المدينة، لكن الثوار تمكنوا من صدِّ تلك القوات، واستمرّت المعارك حتى 5 حزيران، حين سقطت المدينة بيد قوات النظام و”حزب الله”، بعد أن أخلى الثوارُ المدنيّين، الذين لاحقتهم القذائف والغارات إلى الحقول والبساتين موقعةً مزيداً من الضحايا بينهم.
معركة القصير، التي دامت أكثر ممّا توقع المهاجمون، وأنزلت خسائرَ بشريّةً فادحةً غير محسوبةٍ بين مقاتلي “حزب الله”، مثّلت نقلةً نوعيّةً في الحرب في سوريا، إذ إنها كانت بمنزلة الإعلان الرسميّ عن التدخل “المتدحرج” لـ”حزب الله” عسكريّاً وبشكلٍ مباشرٍ في سوريا، وإعادة تثبيت قوات نظام بشار الأسد في الميدان، بعدما أطلَّ الثوار على معاقل النظام في الساحل السوريّ وجبال العلويّين، وهدّدوا القصر الجمهوري في دمشق، وأضعفوا عزيمة قوات النظام إلى حدٍّ باتت هزيمتها قاب قوسين أو أدنى، لتنقلبَ الموازين بعد أشهرٍ عدّة، وتصبح المعارضة في موقع الدفاع المتراجع، وحلف النظام ـــ “حزب الله” ـــ المليشيات الشيعيّة العراقيّة في موقع المهاجم الذي يقضم المزيد من المواقع.
– حلب وإدلب: رغم تأخر حلب عن الانضمام إلى الثورة (المسلّحة) فإنها دخلت بعد أشهرٍ قليلةٍ من بداية التحرّكات الشعبيّة السلميّة وبكثافة، ما دفع النظام إلى قصف جامعتها بواسطة صاروخٍ من طائرةٍ حربيّةٍ. كما كانت محافظة حلب سبّاقةً في تحرير ريفها كلّه تقريباً من قوات النظام.
لكن بعد تحرير ريفها وجزءٍ كبيرٍ من المدينة بدأت مسيرة التراجع، ولاسيّما بعدما سيطرت على الوضع هناك مجموعاتٌ إسلاميّةٌ متطرفةٌ على معظم الريف، متتبعة بذلك خطى المحافظة المجاورة ـــ إدلب ـــ التي سقطت بلداتٌ وقرى فيها بقبضة “الدولة الإسلاميّة في العراق والشام” (داعش)، والشروع بملاحقة ضباط وجنود الجيش الحر وقتلهم، بعدما تمكنوا من النجاة من محاولات النظام لاغتيالهم.
أما المفصل الأبرز في حلب فكان انسحابَ المقاتلين المعارضين ـــ وغالبيتهم تابعون لمجموعاتٍ إسلاميّةٍ ـــ في مطلع تشرين الثاني الماضي، من مدينة السفيرة الإستراتيجيّة الواقعة في ريف حلب الشرقي والقريبة من معامل الدفاع بعد مواجهاتٍ تخلّلتها عمليات كرٍّ وفرٍّ عديدة، ودامت أكثر من 27 يوماً، لتتمكن قوات النظام من حسم المعركة لصالحها بالسيطرة على كامل المدينة، بعدما كان قد حررها “الجيش الحر” قبل نحو عامٍ من ذلك.
– دمشق: مثل حلب، لكن قبلها بقليل، شاركت دمشقُ وريفها في الثورة، وتسلّحت بعدما أمعن النظام قتلاً بالمتظاهرين السلميّين. في المرحلة الأولى ما قبل تدخل “حزب الله” المباشر ومن ثَمَّ المليشيات الطائفيّة العراقيّة، والدخول المكثّف والمفاجئ لمجموعاتٍ إسلاميّةٍ متطرّفةٍ وغريبة عن النسيج الوطنيِّ السوريّ، حققت تشكيلات “الجيش السوري الحر” انتصاراتٍ بارزةً في الأحياء الجنوبيّة للعاصمة وفي الريف الدمشقيّ بلغت حدَّ السيطرة على الحجر الأسود ومنطقة اليرموك فضلاً عن الغوطتين الشرقيّة والغربيّة والتسبّب بإغلاق مطار دمشق الدوليّ، ودقّ أبواب القصر الرئاسيّ، والضرب في ومن داخل المؤسّسات الأمنيّة في قلب العاصمة.
ـــ معارك جنوب العاصمة: يمكن التأريخ لما بعد القرار الدولي بشأن السلاح الكيميائيّ لنظام الأسد على أنه تاريخُ تصدّع “الجيش السوري الحر” كتشكيلٍ مسلّحٍ تابعٍ للقوى السياسيّة المعتدلة السوريّة المعارضة. ففي 11 تشرين الأول سقطت بلدتا الذيابية والحسينية في محيط منطقة السيدة زينب بيد مسلّحي حزب الله والمجموعات الطائفيّة العراقيّة، وسجلت مجازر راح ضحيّتها أكثر من 120 مدنيّاً. وفي 23 تشرين الأول سيطرت قوّاتُ النظام والمليشيات اللبنانيّة والعراقيّة المتحالفة معها على كامل البلدات القريبة من طريق مطار دمشق الدولي ليفرض النظام سيطرته شبه الكاملة على ريف دمشق الجنوبيّ والغربيّ وأجزاءٍ كبيرةٍ من الشرقي.
وضمن مسلسل التراجع الميدانيّ، سقطت في 7 تشرين الثاني مدينة السبينة، بعدما كانت قد حوصرت اعتباراً من 20 تشرين الأول، مع بدء الحملة على مدينة حرستا في الغوطة الشرقية، الأمر الذي مهّد لتضعضع جبهة الأحياء الجنوبيّة لدمشق، ولاسيّما مخيم اليرموك ومدينة الحجر الأسود، ما فاقم من الأوضاع أيضاً على مدينة المعضمية عند طرف الغوطة الغربية.
القلمون: فيما كانت غوطتا دمشق وأحياء العاصمة الجنوبيّة تتعرض لهجمةٍ شرسةٍ من النظام، لفت انسحاب مجموعاتٍ إسلاميّةٍ مسلّحة نحو القلمون، غرب العاصمة، المحاذية لمنطقة البقاع اللبنانية.
ترافق الانسحاب من الغوطة والتجمّع في القلمون مع الإعلان عن انشقاقاتٍ عن الجيش الحر وإطلاق مزيدٍ من العناوين الإسلاميّة على المجموعات المنشقة والمتوحدة في جبهاتٍ إسلاميّة، على غرار جيش الإسلام بقيادة إسلام زهران.
وكان النظام و”حزب الله” قد بدأا قبل حين بقرع طبول الحرب على القلمون، التي قيل إنها إذا سقطت سوف تقطع كلَّ خطوط الإمداد للمعارضة في العاصمة وغوطتيها، فضلاً عن أنها تفتح الطريق أمام النظام بين دمشق وحمص، وامتداداً إلى الساحل السوري.
في 15 تشرين الثاني الماضي، بدأت قواتُ النظام مدعومةً بمليشيا “قوات الدفاع الوطني” وبمليشياتٍ عراقيّةٍ شيعيّة بشكلٍ رئيسيٍّ وبدعمٍ أيضا من قبل “حزب الله” معركةَ القلمون بالهجوم على مدينة قارّة التي سقطت بيد تلك القوات بعد أربعة أيام. وفي 28 تشرين الثاني سيطر تحالف النظام ـــ المليشيات الشيعيّة على مدينة دير عطية. وفي 29 تشرين الثاني باشر التحالف نفسه هجوماً على بلدة النبك التي سقطت بيد المهاجمين في 9 كانون الأول. كما فقدت المعارضةُ المسلحة في القلمون السيطرةَ على عشرات القرى المحيطة بالمدن الثلاثة، فيما بقيت مدينة يبرود، التي تُعتبر حصناً للمعارضة المسلّحة خارج سيطرة النظام. كما أن المساحةَ الأكبر من القلمون بقيت أيضاً تحت سيطرة المعارضة رغم سقوط المدن الثلاثة الإستراتيجيّة، علماً بأن الكتائبَ المسلّحة المعارضة سيطرت في الوقت ذاته على مدينة معلولا الواقعة في القلمون والتي كانت بيد قوات النظام.
ـــ درعا ودير الزور: وعلى الرغم من الانتكاسات أمام النظام في دمشق وحمص وحلب وأمام التطرّفِ الإسلاميِّ في إدلب وأمام حزب PYD في القامشلي، فإن الوضع في درعا ودير الزور سار في دربٍ آخر، حيث سجلت المعارضة المسلّحة فيهما خلال 2013 سلسلةَ انتصاراتٍ ضدَّ النظام وحرّرت غالبيّة مساحة المحافظتين، من دون أن يُسجَّلَ فيهما تواجدٌ ذو ثقلٍ للتنظيمات الإسلاميّة الأكثر تطرفاً مثل “داعش” والتي بقيت تحت السيطرة ولم تتمكن من بسط هيمنتها على القوى المحليّة في المحافظتين.
النظام فزّاعة والمعارضة وَهْمٌ
تؤكد التطوّراتُ الميدانيّة أن النظام هو مجرّدُ فزّاعةٍ، عصاها “حزب الله” والمليشيات الشيعيّة وخلفيّتهم دعمٌ إيرانيٌّ ميدانيّ ولوجستيّ وماليّ ودعمٌ سياسيٌّ وديبلوماسيّ روسيّ.
فالنظام كان يخسر الأرض بشكلٍ متسارعٍ إلى أن دخل “حزب الله” مباشرةً على جبهة الصراع انطلاقاً من منطقة القصير وامتداداً إلى غوطتي دمشق والعاصمة نفسها، وصولاً إلى حلب، حيث أكدت تقاريرُ عديدةٌ أن مقاتلي “حزب الله” كان لهم الفضل في طرد المعارضة المسلّحة من مدينة السفيرة في ريف حلب بعد أن حُسمت معركة القصير إلى جانب النظام. كما أن المعارك التي دارت في أحياء العاصمة الجنوبيّة وفي محيط منطقة السيدة زينب وعلى طريق مطار دمشق الدولي كان الحزب والمليشيات الطائفيّة العراقيّة رأس حربتها. ولا يختلف الأمر كثيراً في منطقة القلمون، حيث كانت المليشيات الطائفيّة العراقيّة رأسَ الحربة، وقد ارتكبت جرائم حربٍ موثقة في قارة ودير عطية والنبك.
واللافت أنه في مناطق لا يتواجد فيها “حزب الله” والمليشيات الطائفيّة العراقيّة، فإن المعارضة المسلّحة تعتبر الطرف الأقوى، كما هو الأمر في محافظتي درعا ودير الزور.
وربما تتبدّى هشاشة النظام بعدم قدرته على الردِّ على الهجمات الإسرائيليّة التي استهدفت مواقعَ عسكريّةً ومخازنَ صواريخ في ريف دمشق وفي اللاذقية، وتخلّيه عن سلاحٍ كان يعدّه إستراتيجيّاً لموازنة الخلل القائم مع إسرائيل، أي السلاح الكيميائيّ، الذي استخدمه ضدَّ الشعب السوري، وسلّمه للولايات المتحدة ما إن لوحت باحتمال توجيه ضربةٍ محدودةٍ له، وذلك بهدف مبادلة هذا السلاح بالسماح الغربي للنظام بالبقاء.
ولا تقلُّ المعارضة هشاشةً عن النظام، إذ أوغلت بالعسكرة رغم التحذيرات الكثيرة من قبل الناشطين بأن ذلك ما يريده النظام لتصوير الثورة السلمية على أنها حركةٌ عنفيّةٌ ومن ثَمَّ ”إرهابيّة” ـــ وهو ما حصل فعلاً. كما أن التوجهَ الإقليميَّ نحو الدعم العسكريّ لمجموعاتٍ محدّدةٍ زاد من العسكرة وشتّت المعارضة الميدانيّة وأضعفها.
والخطأ القاتل الذي اقترفته القوى العلمانيّة المعارضة ـــ العسكريّة والسياسيّة ــ بأنها لم تلفظ التنظيمات المتطرّفة من عباءتها بل احتضنتها تحت شعار التوحد ضدَّ النظام، علماً أن الأخيرَ يملك حصةً وازنةً بالمجموعات المتطرّفة وهناك تأكيداتٌ علنيّةٌ على ذلك. وليس مصادفةً أن قادة المجموعات الإسلاميّة كانوا كلّهم في سجن صيدنايا، وهؤلاء هم من انسحب من الغوطة ليسمح بحصارها، وانسحب من قارة وديرعطية والنبك. فضلاً عن أن “داعش” برزت بقوّةٍ بعد الهروب الكبير ـــ المدبّر ـــ من سجن (أبو غريب) في العراق. هذا إضافةً إلى التنسيق الكبير والمبكر بين النظام وPYD.
أما المعارضة الخارجيّة فقد وضعت كلَّ بيضها بسلّةِ القوى الغربيّة التي خذلتها ولم تفِ بتعهداتها بتسليح الجيش الحر، لا بل عملت على شرذمة المعارضة السياسيّة بدل جمعها، فضلاً عن أن المعارضةَ السياسيّة عبارة عن معارضين أشخاص وليست كيانات وبسبب التصارع الإقليمي في سوريا أخذ كلُّ طرفٍ إقليميٍّ مجموعةً ودعمها ولم يساهم في توحيد المعارضة كي يبقى تأثيره كبيراً.
لقد تسبّب ذلك بفقدان الثقة في الشارع بالمعارضة السياسيّة الخارجيّة، وبسبب عدم تسليح الجيش الحرّ وإنشاء مجموعاتٍ مسلّحة بتمويلٍ إقليميٍّ على هامشه، تمَّ إضعاف الجيش الحر.
وأخيراً تلقّى الجيش الحرُّ الذي دخل مرحلةً متقدمةً من التفكك وانقسامات وتعدد مرجعياته، صفعةً جديدةً مع تعليق كلٍّ من واشنطن ولندن مساعداتهما العسكريّة غير الفتاكة إلى شمال سوريا بعد استيلاء “الجبهة الإسلاميّة” على مقرِّ قيادة الأركان في باب الهوا على الحدود التركيّة وعلى مستودعات الأسلحة هناك.
وكان الجيشُ الحرُّ قد خسر أيضاً منطقة الرقة التي استولت عليها “داعش” وغالبيّة محافظة إدلب، وفقد السيطرة على حمص بعد خسائره أمام النظام وحوصر في بقع ضيقة في الغوطتين الشرقيّة والغربيّة وداخل الأحياء الجنوبية للعاصمة.
وفي هذا السياق نقلت وكالةُ “فرانس برس” في تقريرٍ لها في كانون الأول عن الباحث السويدي في الشؤون السوريّة آرون لوند قوله إن “من الواضح أن هيئة الأركان في الجيش السوريّ الحر” المرتبطة بالائتلاف الوطنيِّ لقوى الثورة والمعارضة السوريّة والمدعومة من الغرب، “تضعف أكثر فأكثر وتفقد من سلطتها”.
الحلُّ المفروض والحلّ المستدام
مع لفظ 2013 آخر أيامها وإطلالة 2014، يبدو حلُّ الأزمة السوريّة بيد اللاعبين الخارجيّين، بعدما فشل النظام بقمع الثورة رغم تفوّقه الهائل بالسلاح والحلفاء والداعمين وآلة القمع، وفشلت المعارضة من تنظيم نفسها والاستفادة من المدِّ الشعبيِّ الهائل والتضحيات الخارجة عن نطاق المعقول التي قدّمها الشعب السوريّ ومايزال.
بات الحلُّ ـــ وفق الحالة القائمة ـــ بيد الخارج، المتفق فيما يبدو على فرض معادلةٍ على الشعب السوري تقضي ببقاء الأسد ونظامه مع حكومةٍ تتمثل فيها شخصيّات وقوى معارضة، مع تخيير السوريّين بين القبول بتلك المعادلة والعودة إلى وضعٍ يشبه ما كان قائماً قبل الثورة مع تحسيناتٍ هنا وهناك، أو العيش تحت نير سلطة “داعش” وسياسة قطع الرؤوس السائدة ولاسيّما في بعض المناطق في ريف حلب وفي محافظة إدلب، أو العيش في فوضى دائمةٍ وما يعنيه ذلك من استمرار الموت المجاني إلى ما لا نهاية.
مضمون هذه السيناريوهات الثلاثة عرضها المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزيّة الأميركيّة (سي آي ايه) مايكل هايدن ـــ في 12/12/2013 ـــ أمام المؤتمر السنويِّ السابع حول الإرهاب الذي نظمه معهد جيمس تاون، مفضلاً من بين السيناريوهات تلك أن ”ينتصر الأسد” وهو الخيار الذي “سيكون الأفضل بين هذه السيناريوهات المرعبة جداً جداً”، وفق هايدن.
إن هذا التصوّرَ، يستند إليه التحالف الأميركي ـــ الروسي لعقد مؤتمر “جنيف 2″، وهو الذي طالما أرادته إسرائيل ونظمت حملات ضغطٍ لدى حلفائها من كياناتٍ وشخصياتٍ مؤثرة، وهو ما يبدو ـــ من ظاهر الأمور ـــ أن إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما تسعى إلى تمريره مقابل تخفيف التوتر مع إيران وتحقيق اتفاق على البرنامج النووي الإيراني يخلع من قفازه مخالب السلاح الذي يهدّد أمنَ إسرائيل، كما نزع مخلب السلاح الكيميائيّ من قفاز النظام السوري، بعدما منع ـــ بعمليّةٍ تمييعيّةٍ ــ تسليح المعارضة العلمانيّة في بدايات الثورة السوريّة، وورّط إيران ماليّاً و”حزب الله” بشريّاً في المستنقع السوري الذي قد يصبح إخراجهما منه بيد الولايات المتحدة، ما يسمح لها أيضاً بفرض مزيدٍ من التنازلات على “محور الشر” المتحالف موضوعيّاً في الوقت الحالي مع “الشيطان الأكبر”.
في مقابل التحالف الأميركي ـــ الروسي (الموضوعي) لإجهاض الثورة السوريّة بعدما جعلت من سوريا ساحة صراعٍ بأسلوب الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي السابق، يبرز دورٌ مستجدٌّ للملكة العربية السعودية: دعم في مصر إزاحة الإخوان المسلمين عن السلطة بخلاف ما كانت إدارة أوباما تريد؛ وهو يتهيأ الآن لمنع تمرير معادلة بقاء الأسد (أو نظامه) هو أقل السيناريوهات المرّة مرارة. بدا ذلك واضحاً من خلال المقالة التي نشرتها صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية في 17/12/2013، لسفير المملكة العربيّة السعوديّة لدى بريطانيا الأمير محمد بن نواف بن عبد العزيز، التي قال فيها: “إننا نعتقد أن الكثير من سياسات الغرب حيال إيران وسوريا يجازف باستقرار الشرق الأوسط وأمنه”. وأضاف “هذه مغامرةٌ خطيرةٌ لا يمكننا لزوم الصمت حيالها ولن نقفَ مكتوفي الأيدي”. وتابع: “سنستمرُّ في إظهار تصميمنا من خلال تقديم الدعم للجيش السوري الحر وللمعارضة السورية”. وإذ أقرَّ بخطر المجموعات المرتبطة بتنظيم “القاعدة” في سوريا، قال: “من السهل للبعض استعمال تهديد القاعدة بأعمالٍ إرهابيّةٍ كحجةٍ للتردّد أو لعدم التحرك”، مؤكداً أن “الوسيلة لتحاشي تمادي التطرّف في سوريا وفي أماكنَ أخرى تكون بدعم الاعتدال ماليّاً وماديّاً ونعم عسكريّاً إذا تطلب الأمر”.
إن في تصريحات السفير محمد بن نواف ما يشير إلى صعوبة فرض حلِّ الأمر الواقع في “جنيف 2” ـــ المشكوك في انعقاده بصورته الحالية ـــ وإلى احتمال تدحرج الأزمة السورية إلى منحنياتٍ غير محسوبةٍ لدى التحالف الأميركي ـــ الروسي، تماماً مثلما لم تكن تطورات إسقاط حكم الإخوان محسوبةً أميركيّاً، وإفشال مخطط “إبقاء الأسد” أو “الحفاظ على النظام نفسه من دون الأسد”، هو احتمالٌ يأتي في هذا السياق.
وفي كلِّ الأحوال، فإن خيارَ بقاء الأسد أو نظامه، يشبه إلى حدٍّ كبيرٍ ما جرى في العراق بعد الانسحاب الأميركي عبر التوافق بين واشنطن وطهران على دعم نظام نوري المالكي، الذي عمل على “تمكين الشيعة” و”تهميش السنة” فأحيا “القاعدة” مجدّداً بعدما ضعف التنظيم الإرهابيّ هذا في العراق إلى أقصى الحدود، علماً أن مخططَ إضعاف ”القاعدة” في العراق الذي نفذه الجنرال ديفيد بترايوس في 2007 جاء عبر مصالحةٍ مع عشائر السنة في الأنبار، وتمويل إنشاء ما عرف في حينه بـ”مجالس الصحوات”، التي ما إن أضعفتها سياسة نوري المالكي حتى عادت “القاعدة” إلى العمل بفاعليّةٍ دمويّةٍ أكبر.
أما إذا ما اعتقد التحالف الدوليُّ الجديد (الروسي ـــ الأميركي) أن الحلول المؤقتة تصبُّ في مصلحته، فإن التجاربَ من أفغانستان إلى العراق وحاليّاً سوريا، تؤكد أنه لا يمكن السيطرة على الصراعات ـــ في عصر “الإعلام والمعلوماتية” ـــ في بقعةٍ ضيقةٍ والتحكم بها كليّاً، فنتائج الفوضى الشاملة في سوريا ستتجاوز حدودَ الإقليم لتصلَ إلى أوروبا ـــ الجار الأقرب ـــ ثم تنتشر في كلِّ الأنحاء؛ وتقويض ثورةٍ سلميّةٍ لشعبٍ مسالمٍ عبر تحويلها إلى ثورةٍ معسكرةٍ بفعل القتل العشوائيِّ والجماعيّ المسكوت عنه دوليّاً، ثم إلى صراعٍ بين تطرّفٍ ”قاعديٍّ” وتطرّفٍ “أسديّ” وإلزام السوريّين بالاختيار بين التطرّفين، إن نجح التحالف الدولي الجديد بفرضه، فلن يكون سوى حلٍّ هشٍّ لن يتأخرَ السوريّون كثيراً في رميه جانباً، تماماً مثلما نجح المصريّون بإفشال فرض حلّ الدولة “الإخوانية” في سرعةٍ قياسيّة.
ثمّة أحاديثُ كثيرةٌ عن حلولٍ متصوّرةٍ في سوريا، مثل تقسيم البلاد إلى كياناتٍ طائفيّةٍ: علويّةٍ ومسيحيّةٍ ودرزيّةٍ وسنيّةٍ، وقوميّةٍ بين كرديّةٍ وعربيّةٍ وربما تركمانيّة أيضاً، وحلٍّ عبر فدراليّةٍ طوائفيّة وقوميّة أيضاً، وحلٍّ عبر إبقاء النظام الحالي لكن مع بعض التحسينات.
إنّ كلَّ تلك الحلول لن يُكتبَ لها النجاح وإن نجحت فلن تعمّرَ طويلاً. أما الحلُّ المستدام، فيأتي عبر اختيار الشعب السوريّ مستقبله بلا ضغوطٍ “قاعديّة” أو “أسديّة” ـــ إقليميّة أو دوليّة ـــ ومن خلال استعادة ثورة الشابات والشبان السلميّة بين آذار 2011 ونهاية تلك السنة، وتحقيق هدف إقامة سوريا ديموقراطيّة يختار مواطنوها فيها نظامَ حكمهم وقيادات هذا النظام بحريّةٍ وعبر آليّات الديموقراطية الحديثة.
التحميل
للإطلاع على الورقة بصيغة PDF وتحميلها :
[gview file=”http://drsc-sy.org//wp-content/uploads/2013/12/syria20131.pdf”]